سراب حنين

نشر في 21-10-2011
آخر تحديث 21-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 أ. د. فيصل الشريفي خروج الكبار أو سقوطهم لم يعد مرتبطاً بزمان، فأيامنا حُبلى بالمفاجآت وإن اختلفت الأسباب، ولا أدري إلى متى سيظل الوضع هكذا؟ فالأوضاع من سيئ إلى أسوأ، فلذلك لم يعد بمقدرة المجلس والحكومة العودة إلى طاولة الأولويات وترتيب الأوراق، وبيت الشعب ممثلاً بنواب الأمة منقسم على نفسه، فلم يعد هو الآخر قادراً على كتمان سره، فالتصاريح والتهم جاهزة ومعلبة.

"عدت بخفي حنين"... مثل يضربه العرب عند الخيبة، وقصته جميلة لكنها تنم عن الدهاء، وهي باختصار تدور حول إسكافي اسمه "حنين" أعياه ذات مرة أعرابي دخل إلى دكانه ليشتري خفين، لكن الأعرابي لحوح وسليط اللسان، فأغضب ذلك حنين، فرفض أن يبيعه الخفين, فاغتاظ الأعرابي فسبّ حنيناً سباً فاحشاً، لذا صمم حنين على الانتقام من الأعرابي، فأخذ الخفين وسبق الأعرابي من طريق مختصر، وألقى أحد الخفين في الطريق، ومشى مسافة، ثم ألقى الخُف الآخر، واختبأ ليرى ما سيفعله الأعرابي.

فوجئ الأعرابي بالخف الأول على الأرض؛ فأمسكه، وقال لنفسه: "ما أشبه هذا الخُف بالخف الذي كنت أريد أن أشتريه من الملعون حنين، ولو كان معه الخف الآخر لأخذتهما... لكن هذا فردة لا نفع فيها".

ومن فوره رمى الخف على الأرض ومضى في طريقه، فعثر على الخف الآخر؛ فندم لأنه لم يأخذ الأول، وعاد ليأخذه، وترك راحلته بلا حارس؛ فتسلل حنين إلى الراحلة وأخذها بما عليها، فلما عاد الأعرابي بالخفين لم يجد راحلته، فرجع إلى قومه.

ولما سألوه: بماذا عدت من سفرك؟

أجاب: عدت بخفي حنين! هذه القصة لها إسقاطات على واقع العلاقة التي تربط مجلس الأمة والحكومة، والضحية المواطن مع التأكيد على أن هوية حنين والأعرابي غير معروفة، فالأدوار تتبدل والعلاقة المشبوهة تظل قائمة رغم تمثيليات الشد والجذب، "لا أقصد الكذب"، بعاصفة لا تهدأ تقدم لها القرابين الواحد تلو الآخر، والثمن أكبر بكثير من راحلة الأعرابي.

اليوم نحن أمام وضع لم نعد نميز فيه الخبيث من الطيب، فالكل متهم والهبات و"الشرهات"، كما يحلو للبعض تسميتها، دلت طريقها وتعددت مصادرها وأطرافها وعرفت ضالتها والسعر والمكافأة بحجم "كبت"، ويمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير، فالقيمة تحدد بعد معرفة نوع الفريسة, وهنا لا أعرف ماذا سيجيب أعرابي هذا الزمان لو سأل بماذا عدت؟ أسيقول عدت بخفي حنين؟!

خروج الكبار أو سقوطهم لم يعد مرتبطاً بزمان، فأيامنا حُبلى بالمفاجآت وإن اختلفت الأسباب، ولا أدري إلى متى سيظل الوضع هكذا؟ فالأوضاع من سيئ إلى أسوأ، فلذلك لم يعد بمقدرة المجلس والحكومة العودة إلى طاولة الأولويات وترتيب الأوراق، وبيت الشعب ممثلاً بنواب الأمة منقسم على نفسه، فلم يعد هو الآخر قادراً على كتمان سره، فالتصاريح والتهم جاهزة ومعلبة.

الوطن يتمزق إلى فرق شتى، والفساد عشش في الجسد، والراحلة أصبحت جزرة مسمومة تقتل أكلُها، والأنفاق رغم كثرة مخارجها شيدت لها الحواجز الحديدية، فالداخل مفقود والخارج مولود.

لست من المتشائمين لكنها آهات خرجت رغماً عن أنفي, فالكويت لا تستحق أن تجازى هكذا وممن؟! ولمصلحة من؟!

معادلة: رجال شرفاء+ التمسك بدستور الكويت= مستقبلا أفضل. ودمتم سالمين.

back to top