طارق العلي... الكسار الجديد

نشر في 08-09-2011
آخر تحديث 08-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 عبدالمحسن جمعة رغم استغراق معظم المعنيين بالشأن العام في الكويت بالجانب السياسي، هناك دائماً في المجتمعات المتطورة جوانب أخرى مهمة تشكل فكر واقعها ومستقبلها ومن أهمها الحياة الثقافية بشكل عام والمسرح بشكل خاص، وبلا شك فإن الفنان الشامل طارق العلي يشكل بمسرحه ظاهرة كوميدية فريدة خليجيا بإمكانات لم يسبق لكوميديان خليجي أن تمتع بها، أو كانت له اللياقة والقدرات التي يمتلكها العلي والتي تمكنه من أن ينفرد بالساحة المسرحية بلا منافس جدي، بما يشكل إحياءً لظاهرة المؤسس للمسرح الكوميدي العربي الفنان علي الكسار (1887-1957).

الكسار أطلق المسرح الكوميدي العربي بفرقته عام 1907 بمصر، وكانت لديه موهبة كبيرة تمكنه من أن يحمل عبء عمل مسرحي بمفرده تمثيلاً وغناء، جعلته نجم الكوميديا الأوحد في تلك الحقبة، كما توفر لهُ دعم من كتَّاب أمدوه بالنصوص بجانب ارتجاله، وألحان من شيخ الملحين زكريا أحمد مكنته من غناء أكثر من 120 أوبريت، واستطاع الكسار تطوير شخصية «عثمان» لتكون أداته في الانتقال الى المسرح الكوميدي-السياسي الذي تناول قضايا الطبقات الفقيرة والمسحوقة والتطورات السياسية التي كانت تتفاعل في تلك الحقبة، حتى حل فرقته في عام 1950 بسبب مرضه وتقدمه في السن ولم توثق أي من مسرحياته الـ200 بالتسجيل ولم يتبق من تراثه سوى تسعة أفلام سينمائية.

ورغم غياب أسلوب المسرح السياسي عن خشبة طارق العلي، فإنه كوميديان وملك صالة لا يوجد له منافس، بملكات تعبيرية وغنائية يندر توافرها في ممثل، ولذلك فإن بعض منافسيه لا يجدون له حلاً سوى اتهامه أحياناً بالتهريج وغياب الرسالة التوعوية عن مضمون أعماله، وهو اتهام مبالغ فيه ويدخل ضمن الإشكالية الأزلية للكوميديا من أنها ضحك من أجل الضحك كحاجة إنسانية وعلاج للبشر، أم أنها، وفق التأويل الفلسفي للإضحاك، وظيفة للتوعية وإيصال رسائل معينة إلى المجتمع أو دعم لقضايا مطلبية وسياسية، وهو ما يُمكن تحقيقه بالمزج بين الغايتين إن توافرت النصوص ذات المستوى المميز، وهو ما يصعب توافره، ولذلك يتم في قمة المواقف الكوميدية في مسرح العلي الزج بعبارات نصائح تربوية ودينية تعوض عن ضعف النص، وغالباً ستشهد النصوص المسرحية والدرامية نقلة نوعية بعد الربيع السياسي العربي، وبعد ما نشهده من حريات وعودة إلى الكوميديا السياسية بقوة في مصر عبر برنامج «حكومة شو» على القنوات الرسمية للدولة المصرية بعد الثورة، بجانب رواج هذه الكوميديا في لبنان (بسمات وطن).

طارق العلي أصبح ملك المسرح الكوميدي الكويتي الذي يقود بدوره المسرح والدراما الخليجية الكوميدية، وهو من حافظ على بقاء المسرح الكويتي في فترة الانحسار بعد التحرير بسبب غياب رواده لأسباب تتعلق بالتقدم في السن وعوامل أخرى، والعلي بموقعه هذا يحيي ظاهرة علي الكسار بتفرده بنجومية المسرح الكوميدي قبل أن يدخل نجيب الريحاني لينافسه بشخصية «كشكش بيه»، ولذلك فإن العلي يحمل مسؤولية تطوير المسرح ودعمه بمواهب جديدة لأن من يقف بجانب طارق العلي على خشبة المسرح تكون أمامه فرصة تاريخية لولوج العمل الفني، كما أن العلي بحاجة إلى منافس قوي بوزن الريحاني-الكسار ليشحذ همته ومواهبه غير المتناهية وهو ما أراه في زميله الفنان عبدالعزيز المسلم.

***

أتمنى أن يغير طارق العلي من لازمته المعتادة بضرب زملائه كجانب من الأداء التمثيلي وإيجاد لازمة أخرى، والاستغناء كذلك عن استخدام عاهات ذوي الاحتياجات الخاصة كوسيلة للإضحاك، علما أن استخدام المعاقين جسدياً أو فكرياً في أعمال درامية لاستغلال عاهاتهم هي جريمة في الغرب، وأيضاً أتمنى عليه التأني الشديد في اختيار النصوص خاصة للأعمال التلفزيونية.

back to top