في مقال قديم له بعنوان "الخليجيون وإشكالية المواطنة"، كتب الدكتور حاكم المطيري يقول: إن "العلاقة في الدولة المعاصرة الحديثة تقوم على أساس مبدأ المواطنة التي تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد، لا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم، وما يترتب على ذلك من ثبوت حق الجميع في اختيار السلطة التي تمثلهم لتساويهم في المواطنة، وحقهم في العدالة في تقسيم الثروة بينهم، وحقهم في تبوؤ الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص".

Ad

هذه القاعدة ببساطتها الظاهرة، هي في الحقيقة الأصل لكثير، إن لم يكن كل، المشاكل والتوترات الداخلية، وبعض من الخارجية، التي مرت وتمر وستمر بها دول الخليج، سواء تلك المشاكل التي طرأت على العلاقة ما بين الأنظمة الحاكمة والمواطنين بجماعاتهم المختلفة، أو تلك التي طرأت على العلاقة ما بين جماعات المواطنين المختلفة، سواء عرقياً أو طائفياً أو غير ذلك. ولو استخدمنا الكويت نموذجاً، وهذا ما يهمني لأغراض هذا المقال، وعدنا إلى كثير من رصيد التوترات والمشاكل التي مرت على الساحة خلال الفترات المنصرمة، لوجدنا أنها تتمحور دائما حول عدم رسوخ هذا المبدأ، أعني مبدأ المواطنة، في وجدان أبناء هذا الوطن الواحد، واستشعارهم، سواء أكان هذا بوعي منهم أم بغير وعي، القلق الدائم من عدم تساويهم في الحقوق والواجبات بعضهم مع بعض!

إن أغلب التوترات التي حصلت على الصعيد الطائفي مثلا، كانت تعود في أصلها إلى خشية طائفة ما من استلاب حق أبنائها في المواطنة، وحقهم في العدالة في تقسيم الثروة بينهم وبين أبناء الطائفة الأخرى، وحقهم في تبوؤ الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص، أو إلى خشية طائفة ما من سيطرة طائفة أخرى على مقاليد الأمور سياسيا وتوجيهها نحو مصلحتها على حساب مصلحة الطائفة الأخرى!

وكذلك في جانب آخر، فإن مسألة الانتخابات الفرعية، التي تجريها القبائل بالأخص، راجعة إلى خشية هذه القبائل من فقدان "مقاعدها" البرلمانية، وخسارتها لنصيبها في السلطة لحساب قبائل أو جماعات أخرى! وغير ذلك من الأمثلة كثير.

إن هذا القلق الدائم في نفوس المواطنين على اختلاف توجهاتهم ما هو إلا نتاج لمرض يمكن لي أن أسميه "هشاشة ثقافة المواطنة"، والذي شاع بيننا على الرغم من وضوح بنود المواطنة ومعاييرها حقوقاً وواجبات في الدستور والأدبيات السياسية المتداولة، ولم تنج من هذا المرض حتى أغلب النخب المثقفة، فهذه النخب، وإن كانت تدرك أكثر من غيرها ما للمواطن وما عليه، فإنها حادت عنه كثيراً وتجاهلته على صعيد الممارسة الواقعية، سواء من خلال ما أنتجته من كتابات أو تصريحات أو أنشطة، لتبقى كغيرها من شرائح المجتمع أسيرة لعقدة القلق من الآخر والتحفز تجاهه، وهي التي من فائدة أطراف معينة أن تظل وتبقى ماثلة للعيان دائماً! إن الحل لأغلب أزماتنا الداخلية اليوم، إن لم يكن كلها، هو أن نقوم بعلاج هذا المرض على جميع مستوياته، سواء على مستوى العلاقة بين النظام والناس، ومنع هذه العلاقة من الانحراف نحو استدراج كل ما من شأنه أن يضر بمفاهيم المواطنة بدلالاتها العامة الجامعة، أو على مستوى العلاقة ما بين فئات الناس المختلفة، وترسيخ فكرة أن هذه الاختلافات الفئوية، عرقياً وطائفياً وما شابه، لا تعطي أفضلية لأحد على أحد، وإنما هي اختلاف تنوع لا أكثر، يمكن أن يكون في الحقيقة عنصر قوة لبناء دولتنا المدنية الحديثة، كشأنه في كثير من الدول. سنغافورة مثلاً.

نحن اليوم بحاجة حقا إلى حراك مدني كبير وواسع تتعاون عبره الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية، وعلى مدى طويل، لتعليم الناس، ربما من الصفر، ما معنى المواطنة الحقيقية، وما واجباتها وحقوقها.