لأمر ما، أو لربما لاعتبارات فوتوغرافية بحتة، يلاحظ أن غالبية الصور الرسمية المعتمدة للشيخ عبدالله السالم رحمه الله (حاكم الكويت من 1950 إلى 1965) سواء تلك التي يتم توزيعها للدوائر الرسمية، أو التي توضع على الدفاتر الدراسية، أو على العملة، كانت صوراً جانبية، أي ذات بعد واحد فقط لا غير.

Ad

ولكن بشيء من التركيز، وشيء من البحث، في كيفية تعامل ذلك الرجل مع محيطه فإنه لا يمكن رؤيته إلا بمنظور ثلاثي الأبعاد بآفاق تملأها الألوان والاحتمالات فعبدالله السالم، ظل واستمر ومازال، على الرغم من سلاسته وانسيابيته، ووضوح الكثير من بصماته، عصياً على الفهم، في جاذبيته، ومتناقضاته، ما ظهر منها وما بطن.

وفي حين أن أحد أكثر الألقاب التي أطلقت عليه هو لقب «أبو الدستور»، بوصفه كان العنصر الأهم في صدور دستور البلاد سنة 1962، وهو لقب مستحق، إلا أن حيثيات هامة، وإسهامات قد لا تقل أهمية يتم عادة إغفالها، في الغالب عن غير قصد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف تمكن سواء بمفرده أو مع آخرين من منع أكبر عملية استيلاء على أراضي البلاد لصالح بعض أقاربه؟ أو كيف تمكن من إدارة العلاقات مع العراق في أكثر ظروفه تعقيداً ما بين العهد الملكي إلى العهد القاسمي ثم العهد العارفي؟ كيف كان يقرأ التحولات السياسية في المنطقة باقتدار، ليخرج من خلال تلك القراءة بأفضل الخيارات المتاحة للكويت في محيطها؟ لا بل كيف كان قادراً على رفض الوجود البريطاني العسكري في الكويت في الوقت الذي كان يرتبط فيه مع بريطانيا باتفاقية حماية؟ وكيف تعامل مع ذلك الأمر بحرفية عالية تثير الدهشة عندما طالب رئيس الوزراء العراقي بالكويت بعد إعلان الكويت استقلالها، ومن ثم ارتماؤه استراتيجياً في عمقه العربي ممثلاً في الرئيس جمال عبدالناصر. حقيقة الأمر هي أن حكايات عبدالله السالم لا تنتهي، خاصة أنها لم تأخذ حقها من الاستعراض كحكايته مع تأسيس بنك الكويت الوطني، أو الشركات الخمس، أو التثمين، أو إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي بلندن، أو الصندوق الكويتي للتنمية، أو خطة التنمية (1952) أو القرار الاستراتيجي الخطير باعتماد محطات تقطير كمصدر رئيسي للماء في الكويت بدلاً من جلب الماء من شط العرب، ولكم كنت أتمنى أن أعرف كيف كان سيتصرف فيما لو كان مشروع ميناء مبارك الذي يثور حوله الجدل هذه الأيام قد جاء في وقته، كفكرة قبل أن يتحول إلى مشروع.

أعترف بأن الحديث عن عبدالله السالم حديث مُغرٍ، وقد بذلت في دراسته وتوثيقه الكثير، وهو بالإضافة إلى هذا وذاك حديث شيق، ولذا كعادتنا سابقاً في رمضان ستتم معالجة بعض تلك الأبعاد مع التحذير من أن الهدف ليس التغني بالماضي ولكن المزيد من الفهم لذلك الرجل وحقبته التأسيسية، فمن المؤكد أننا لا يمكن أن نرى عبدالله السالم، وحقبته من منظور واحد، فتلك الرؤية الشاملة لا يمكن لها أن تتحقق إلا ثلاثية الأبعاد.