الشارع يضغط
قال تعالى في كتابة الكريم: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الآية (42) سورة المائدة.الساحة الكويتية تبدو أكثر توتراً مقارنة بأي فترة مضت؛ مع العلم أنها ليست وليدة الحاضر، بل نتاج فعل ماض فاشل ورؤية متخلفة لم تراع التطور الطبيعي للحياة الديمقراطية، فاليوم غير الأمس، ليس من ناحية وجود الفساد، لكن بحجمه وكبر دائرته وجرأة فاعليه التي غسلت وجهها بكل أنواع المنظفات، فلم يتبق على محياهم أي نوع من الحياء، بل وصلت الجرأة عندهم باتهام كل من يحاول كشفهم بالخيانة.
في مقابل هذا الفساد تجد الشارع يتحرك إيجابياً لمجموعة من القضايا ضمن استحقاق طبيعي، خصوصاً في ما يتعلق بالحسابات المليونية وتداعياتها، والتي فتحت الباب لمحاربة ومكافحة الفساد كقضية أولى لكل مواطن شريف، فكان الضغط بكل الاتجاهات لكشف أسرار هذه العصابة بحثّ المؤسستين التشريعية والتنفيذية على القيام بدورهما لإرجاع الثقة إلى مؤسسات الدولة، وذلك بتقديم القوانين الملزمة التي من شأنها تذليل كل المعوقات التي قد تواجهها الجهات الرقابية أو القضائية لإماطة اللثام عن الشخوص الفاسدة مالياً وإدارياً.النقطة الأخرى التي لا تقل أهمية عن الأولى هي اعتصامات النقابات، وكيفية تعامل الحكومة معها، فالمسطرة التي استخدمت ليست واحدة بل تتبدل حسب نوع وحجم الضغط، فتحقيق العدالة الوظيفية لن يكون في متناول الحكومة طالما ظل تعاملها وفق تلك المسطرة. فهي المسؤول والملام عما آلت إليه الأمور بإهمالها لرواتب موظفي الدولة العاملين بالقطاع الحكومي أو الأهلي بعدم مراجعتها منذ فترة طويلة؛ مما ترتب عليه حالة من التذمر الشعبي، كما أن المعالجات الجزئية عبر ما يسمى بالكوادر أوقعت الحكومة بالفخ، حيث التبرير لتلك الزيادات لم يكن مقنعاً مع تضارب الدراسات وغياب التنسيق بين مجلس الخدمة المدنية ومجلس الوزراء والوزير المعني، فلهذه الأسباب سيكون من البدهي توالد الإضرابات كوسيلة لانتزاع الحقوق.في ظل وجود هذا النوع من فقدان الثقة بمؤسسات الدولة، والتي استغلها البعض لتصفية الحسابات الجانبية، ولكثرة تضارب المصالح على مواقع النفوذ الإدارية والمالية تجد النخب تعيش أسوأ أيامها، فالفضائح لا تأتي من بعيد، فالأقربون أولى بالمعروف، فحرق الكروت ورفع شعار"علي وعلى أعدائي" لا يمكن أن تخطئه، وما عليك إلا قراءة العناوين الرئيسة للصحف أو متابعة الحلقات الحوارية في القنوات الخاصة لتعرف حجم الحرب التي تدار، فكلما برز اسم وجدت من يحد له الخنجر، وكل هذا يحدث دون اكتراث لما قد تؤول إليه الأمور.الأيام القادمة ستكون إرهاصاتها مزعجة لبعض الكذابين وآكلي السحت لكنها ضرورية لتصحيح وإصلاح مسار الديمقراطية وتطبيق العدالة الاجتماعية.ودمتم سالمين.