مُنع في الكويت
على طاولة أحد المقاهي جلسنا نحن- المجموعة المعتادة من الأصدقاء- وعلى أنغام "قرقرة" الشيشة وصياح العاملين والطاولات وصوت التلفاز العالي تجاذبنا مختلف أطراف الحديث عن مواضيع مختلفة؛ حتى وصل النقاش بنا إلى أحد كتب نجيب محفوظ التي نتفها مقص الرقيب، فقال أحد الأصدقاء "شسمه؟ شسمه مرة ثانية؟" وما هي إلا بضع ضربات مكتومة الصوت على جهاز "الآيفون" حتى أصبح الكتاب من ضمن الكتب الموجودة في المكتبة الافتراضية... والكتاب ممنوع في الكويت.وعلى نفس الطاولة جرّتنا المناقشات إلى العديد من المواضيع التي منعت في الكويت وأتيحت على الإنترنت، فمن "مذكرات العدساني" إلى "مذكرات الشيخ خزعل" و"مذكرات الخطيب" الجزء الثاني، وفيلم "الخالدون" immortals، وكلما تحدثنا عن شيء رأيناه موجوداً على أجهزتنا سواء كانت هواتف أو حواسيب محمولة بعد لحظات من البحث الإلكتروني.
وفي سياق الأحاديث قام دكتور الطاولة بالحديث عن كيفية منع دراسة نظرية التطور لداروين في كلية الطب، أو دراستها بشكل مشوه على الرغم من أن جميع النظريات تدرّس في كل جامعات العالم مع وضع الآراء التي تؤيدها والآراء التي ترفضها وحجج كل من الطرفين؛ لأن المعرفة سواء اقتنعنا بها أو لم نقتنع، وسواء آمنا بها أو لم نؤمن، تظل معرفة من المهم الاطلاع عليها لنبني عليها أو نهدمها ونقوم ببناء جديد، وبهذا فقط قامت الحضارة البشرية. ومرة أخرى لم تكن إلا بضع نقرات حتى أخبرنا العم "غوغل" عن كل ما نريد مع آخر التطورات حتى لحظتها، وساعده "اليوتيوب" بشكل مرئي، المشكلة هي تحويل التيارات الظلامية كل حديث إلى خلاف ديني أو ضرب في الإسلام على الرغم من أن الموضوع لا يعدو كونه نظريات أو حججاً علمية.لم نتعلم في الكويت من عصور الظلام التي خيمت على أوروبا، حيث قامت الكنيسة بذلك الوقت بكل تطرف بقتل من كان يقول بكروية الأرض ودورانها حول الشمس والتيارات الرجعية، وقد تكرر هذا الشيء، وهو ما سبب تحول كويت الحضارة والثقافة إلى كويت الصراعات والنشرات التي تطرح وبكل وقاحة طرحاً يدعو إلى الانقلاب على نظام البلد والديمقراطية التي فيه، وتكفِّر كل من يصوّت أو يشارك في العملية الديمقراطية.أدعو جميع مرشحي مجلس الأمة من ذوي الطرح الوطني أن تكون قضية المنع السخيف ومقص الرقيب الأعمى أولى أولوياتهم في المجلس القادم، فعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى كان أول ما أنزل على نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كلمة "اقرأ"، فإننا وبكل تبجح في دولة تدّعي أنها جزء من الأمة الإسلامية، شطبنا "اقرأ" من مصطلحاتنا وبدلناها بـ"اسمع وأطع".