إذا كانت لندن تعجّ بفعاليات لياليها المتنوعة، فإن العروض المسرحية، والمسرح الموسيقي الغنائي تحديداً، ربما يشكّل الظاهرة الأهم والأجمل بالنسبة للسائح، مستقطباً العائلة بجميع أفرادها، مفسحاً مكاناً رفيعاً للطفل والناشئة.
تبدو دلالة المسرح الموسيقي الغنائي واضحة بالنسبة لراصد الظاهرة، بدءاً باستمرار عروض بعض المسرحيات لمدد تتجاوز العقد من الزمن، مروراً بطوابير المنتظرين للحصول على تذكرة دخول إلى أي عرض، وانتهاء بتجاور مختلف الأعراق والأجناس والفئات والأعمار لمشاهدة العرض الواحد. أغلبية العروض المسرحية تستلهم الروايات أو الأفلام العالمية التي نالت شهرة واسعة، لتحويلها إلى مسرحيات موسيقية غنائية، تعتمد في عرضها على عزف حي لفرقة "أوركسترا" موسيقية، وغناء حي مصاحب من قِبل أبطال العمل. مع استغلال الفضاء المسرحي، بشكل مدروس ودقيق، وبمختلف عناصر السينوغرافيا المتحركة والساحرة. ليأتي العرض في نهاية الأمر مكتملاً، كأجمل ما يكون، وسط بيئة مسرحية لندنية تقوم على منافسة فنية شديدة، وعلى رهان تجاري كبير في قدرة العرض على جذب المشاهد، والاستمرار والبقاء لسنوات وربما لعقود. إن حضور مسرحية موسيقية غنائية، في أي من مسارح لندن، يضع المتفرج أمام متعة روحية وبصرية حقيقية رفيعة المستوى. وكلما تسنى لي حضور مسرحية، ارتفع السؤال بصدري: لماذا تقهقهر حتى غاب المسرح في الكويت؟ وأين المسرح العربي المتخبط في تجاربه ومشاريعه البدائية من هذا المسرح العظيم؟ وكم هي السنوات وربما العقود التي تفصل بين الحياة المسرحية العربية، بتشتتها ورتمها الثقيل، وبين حياة المسرح في العواصم الأوربية؟ يبدو جلياً أن هوة عميقة وشاسعة تفصل بين العروض المسرحية العربية، القائمة على الحكاية المعادة والمستهلكة، والرتم البطيء، والديكور البائس، واعتماد الممثلين على التلقين والتسجيل، "البلي باك"، وبين عروض ساحرة تتخذ من سينوغرافيا المسرح، فضاءً ومجالاً للتحدي الفني والإبهار، وتجعل من الحكاية منطلقاً لتفجير طاقات كل العاملين في العرض المسرحي، وأخيراً سعي فريق العمل لتقديم عرض مسرحي مختلف وساحر، يكون قادراً على الاستحواذ وأسر انتباه ووعي وإعجاب المشاهد. إن مشاهدة العروض المسرحية في مختلف العواصم الغربية، باستلهامها لقضايا الإنسان الملحّة والمعاصرة، واستخدامها لأحدث التقنيات العصرية المتطورة، وتجنيدها لطاقات بشرية مبدعة، يؤكد قدرة المسرح العظيمة والمتجددة على أن يلبس زي ولغة وهموم اللحظة الإنسانية الراهنة، وأن يكون لسان حال المجتمع، وأن يقدم متعة إنسانية راقية، بعيدة عن التخبط والابتذال والرخص، وأن للمسرح وحده القدرة على استيعاب مختلف الفنون الإبداعية والموسيقية والبصرية في عرض متكامل، وتقديمها في صيغة آسرة، تسلب لب الكبير قبل الصغير، وتكون قادرة على توصيل مبتغاها العقلي والروحي، على بساط متعتها الملونة والرائعة. لقد كان للمسرح في الكويت، خلال الستينيات والسبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات، حضور فني كبير ومهم وفاعل في الحياة الثقافية والاجتماعية. وكانت العروض المسرحية تمتد لمدة أشهر أحياناً، ولكن في أواخر الثمانينيات شهد المسرح في الكويت، ولا يزال، تقهقراً وانحساراً كبيرين، وتقلصت الحياة المسرحية، حتى كادت تختفي، واكتفت "الفرق المسرحية الأهلية" بتقديم عرض يتيم كل عام، لليلة واحدة، يأتي ضمن مشاركتها في المهرجان المسرحي السنوي الذي يقيمة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. إن تقهقراً وانحساراً وغياباً يمسّ المسرح والحياة المسرحية في الكويت، إنما يصيب الحياة الثقافية والفنية في مقتل. فالمسرح لسان حال المجتمع، والمعبّر الحقيقي عن همومه وتطلعاته وآماله. ولأن العرض المسرحي عمل إبداعي وثقافي جماعي بامتياز، فإن تلكؤَه أو توقفه عن مسيره يعني الكثير، ويتطلب وقفة حقيقية متأنية بغية إصلاح الخلل، أملاً في عودة الروح إلى المسرح والحياة المسرحية في الكويت.
توابل
المسرح هنا وهناك!
13-09-2011