مؤلِّف صرخة نملة طارق عبد الجليل: مصريون كثر تحوَّلوا تحت وطأة الظلم إلى فاسدين
اعتاد طارق عبد الجليل كتابة أفلام تحتوي على إسقاطات سياسية مباشرة مثل «عايز حقي» و{ظاظا رئيس جمهورية» وصولاً إلى «صرخة نملة» الذي اعتبره متابعون كثر أول فيلم يُؤرخ لثورة 25 يناير. عن الفيلم وعمله مع شقيقه عمرو عبد الجليل كان معه اللقاء التالي.
لماذا تأخّر تعاونك مع أخيك عمرو عبد الجليل على رغم وجودكما في الوسط الفني منذ سنوات طويلة؟لأن عمرو حتى وقت قريب لم يكن لديه الحق في اختيار العمل أو المؤلف، وأنا أيضاً لم أكن أملك حق اختيار الفنانين.وما الذي اختلف هذه المرة؟بعد نجاح فيلم «كلمني شكراً»، طلب المنتج كامل أبو علي من عمرو ترشيح سيناريو مناسب ليقوم ببطولته، فطرح الأمر عليّ وكان لديّ بالفعل سيناريو «صرخة نملة»، فعرضناه على أبو علي وأعجبه وقرّر إنتاجه.صرّح عمرو مراراً بأنه لا يحب السياسة، فكيف أقنعته بـ{صرخة نملة»؟لا يحب عمرو الانخراط في السياسة، بمعنى أنه لا ينتمي إلى حزب أو جماعة سياسية إلا أن هذا لا يعني أنه يرفض الأفلام الجيدة، وقد أعجبه سيناريو «صرخة نملة» ورأى أن دوره فيه مناسب له جداً.هل توافق على القول بأن الفيلم تنبأ بالثورة؟الفيلم لم يتنبأ بالثورة لكنه عرض لأسبابها، وهذا ما حدث في أفلام أخرى كثيرة، لكن لحظّنا الجيّد تواكب الفيلم مع الثورة، لذلك فهو يعتبر أول الأفلام التي أرّخت لها.عُذّب بطل الفيلم جودة سنوات طويلة على يديّ القوات الأميركية في العراق لسبب غير منطقي وهو عدم موافقته على تسليمها مفتاح أحد المخازن التي كان يعمل فيها.كان هذا سبباً رمزياً للدلالة على ضراوة الاحتلال، ثم إن البطل اعتبر تسليمه هذا المفتاح نوعاً من الخيانة لأرباب عمله.وهل كان منطقياً بعد كل ما تحمّله من عذاب في العراق أن ينهار بعد يوم واحد من التعذيب في أحد أقسام الشرطة المصرية؟هذا دليل على أن التعذيب في جهاز أمن الدولة المصري وصل الى درجة من الضراوة فاقت أساليب المعتقلات الأميركية كافة، إضافة إلى أن قوى جودة كانت قد خارت تماماً خلال تلك السنوات.كيف يمكن لرجل شهم مثل جودة رفض تسليم مفتاح المخزن الذي يعمل فيه أن يوافق على المشاركة في الفساد؟تحوَّل مصريون كثر، تحت وطأة الفساد والظلم والمعاناة، إلى فاسدين لتأمين حياة كريمة. علمنا أن الرقابة ووزارة الداخلية كانت وجّهت 21 ملحوظة للفيلم، ما هي أهم هذه الملحوظات؟حذف عدد كبير من المشاهد، خصوصاً مشاهد التعذيب داخل جهاز أمن الدولة إضافة إلى المشهد الذي يوضح أن أحد ضباط أمن الدولة مرتشٍ، ومشهد القضية المرفوعة على رئيس الجمهورية، ومشهد نجاح أحد أعضاء مجلس الشعب بالتزوير لأنه كان منتمياً الى الحزب الوطني.لماذا كرّرت مشهد الشرطي الذي يقف أمام الجامع ليتفحّص بطاقات من يدخلون للصلاة الشخصية على رغم أنه موجود في فيلم «ظاظا»؟هذا أحد المشاهد الذي كان مرفوضاً بشدة من أمن الدولة، وقد كان ضرورياً في «صرخة نملة» للإشارة إلى سيطرة الأمن القوية على الجماعات و{الإخوان» والشك في كل من يواظب على الصلاة، وهذا المشهد تحديداً يؤرخ لكيفية تعامل النظام السابق مع الشعب بشكل واضح، أما في «ظاظا» فقد كانت الأحداث كافة متخيّلة في بلد غير مصر.رأى نقاد كثر أن «صرخة نملة» أقل مستوى من فيلميك السابقين «عايز حقي» و{ظاظا» على رغم أن الرقابة شوّهتهما.أعتقد بأن فكرة «صرخة نملة» لم تكن براقة مثل «ظاظا» و{عايز حقي»، ثم لا يوجد عمل فني يحصل على إجماع النقاد والجمهور. صرّحت بأن ثمة مشاهد حُذفت من الفيلم، فهل هذا هو السر في الخلل الذي أصاب الأحداث؟لا أرى أن ثمة خللاً في أحداث «صرخة نملة» وإن كنا بالفعل حذفنا ما يزيد على الأربعين دقيقة بسبب طول الأحداث التي وصلت الى ساعتين ونصف الساعة، إلا أنني حرصت مع المخرج سامح عبد العزيز على حذف المشاهد غير المؤثرة على دراما الفيلم مثل المشاهد الكوميدية التي اجتهد خلالها عمرو، ذلك لنحافظ على إطار العمل الدرامي.ما حقيقة المشاكل التي تعرّضتم لها في مهرجان «كان» السينمائي؟كانت هذه المرة الأولى التي يحتفي فيها «كان» بالسينما المصرية ويكرّمها بعرض أكثر من عمل، لكن نظراً الى أن وزير الثقافة غاب بلا مبرر لم تهتمّ بنا السفارة المصرية ولم تحاول حتى مساعدتنا في أي شيء، بعكس السفارة اللبنانية التي احتفت بوجود فيلم لبناني واحد في «كان» وأقامت حفلة استقبال ضمّت السفراء والجالية العربية ونظّمت مجموعة ندوات وعروض.ادعى أحد الكتاب بأن «صرخة نملة» مأخوذ عن رواية له بعنوان «قرصة نملة»؟هذا الكاتب الذي اتهمني بأنني اقتبست منه فيلمي، تأكّد افتراؤه وكذبه، ثم إنني أقمت دعوى قضائية ضده والقضاء سيفصل بيننا.لاحظنا أن ثمة جملاً متشابهة بين فيلمك وفيلم «فاصل ونعود».السبب أنه كان ثمة اتفاق مبدئي مع المخرج أحمد جلال على إخراج «صرخة نملة» وقد عقدنا جلسات وحكيت له تفاصيل الفيلم، ثم فوجئت به يستخدم بعض الجمل في دعاية «فاصل ونعود» التي ارتدى فيها فريق عمل الفيلم يوم عرضه الخاص تيشرتات مكتوب عليها «الحقنا ياريس» وهو الإسم الأصلي لفيلمي.