بعد ربيع الحرية والعدالة والبشرى في عالمنا المظلوم والمتخلف، دخل علينا صيف حار مزعج بدأه الشيخ عثمان الخميس بفتوى أو رأي- ولا أعلم ما الفرق؟- بأن قتلى ثورات الحرية ليسوا شهداء... ولا أدري ما الذي أو من الذي أوحى إلى فضيلته بنشر هذه الفتوى، بدلا من الاحتفاظ بها لنفسه كرأي خاص؟ هل أتى بهذا القول من القرآن الكريم أو من السنّة النبوية الشريفة أو من سيرة السلف الصالح أو غيرها من إرثنا الإسلامي الزاخر بالثورات؟

Ad

 ما الرسالة التي ينوي شيخنا الفاضل إيصالها إلى شعوبنا الثائرة على الظلم والاستبداد والطغيان؟ وما الفائده التي ستحصل عليها أمتك مما أدليت به؟ ومن المستفيد حين يقول شيخ دين لإخوانه المجاهدين في سبيل حرية الدين والعقيدة «أيا كانت» إن موتكم في سبيل ما تؤمنون به سدى وإن حياتكم تحت جحيم الظلم أجدى وأفضل؟ ونحمد الله كثيراً أن فضيلته تمنى لأمته التوفيق في مسعاهم، ولكن حذر من الموت من أجل أمور دنيوية لأنه سدى وحياتنا تحت الذل والقهر أجدى!! وأعتقد أن السؤال الأهم لفضيلته هو عن الأمور «الشرعية» التي يجب على المسلم أن يموت من أجلها: هل هي العمليات «الانتحارية» التي يقوم بها المجاهدون في أوروبا أو في أميركا أو حتى في أفغانستان وباكستان أو هي حصر على فلسطين المحتلة؟

 من عليه إصدار مثل هذه الصكوك للعمل بها في مكان دون الآخر؟ وما الجهاد «الشرعي» بالنسبة إليك؟ هل هو جهاد أسامة بن لادن أم جهيمان أم الخلايا الإرهابية التي تحصد أرواح الأبرياء كل يوم في عالمنا الإسلامي تحت راية الموت في سبيل الآخرة؟ وأنت تعلم أن هؤلاء جميعاً قتلوا وهم ومن والاهم يعتقدون أنهم قتلوا في سبيل الله وليس الدنيا. وهل بلغت دولنا العربية عموماً والخليجية خصوصاً من التقوى والعمل بالشريعة الإسلامية بمكان يحصنها من غضب الله ومن دعوى الصالحين من أمثال فضيلتكم للقيام ضدها؟ هل هذا رأيك؟ نرجو الرد على ذلك لنرى ما يقول أولياء الأمور عن فتواك تلك. لقد أضحكني الجدل المرحلي الذي حدث بين مشايخنا الأفاضل بعد انتحار محمد البوعزيزي حول مصيره في الآخرة هل هو الجنة أو النار؟! إلا أن هذا الجدل اختفى عندما أدرك هؤلاء الأفاضل أن ما سببه انتحار البوعزيزى هو أكبر بكثير من فتواهم، وأن انتحاره قدم لنا ولمستقبلنا أكثر بكثير مما قدموه أو سيقدمونه لأمتهم، فتراجعوا سريعاً وقالوا إن حسابه عند بارئه وهو عين الصواب في القول والحكم.  إن أمر الله وحكمه فوق البشر جميعاً، ولم ولن ندركه مهما ارتأينا في فكرنا المحدود، ألم يوحِ العليم الحكيم إلى عبده الخضر عليه السلام بقتل نفس حرمها الله إلا بالحق؟ لو كنت حياً حينها ماذا ستكون فتواك عن عبد من عباد الله لم تعلم ما أوحي إليه من ربه؟ وهل ستعلم ما لم يعلمه الله نبيه موسى حينها؟ أليس من الممكن أن الرب عز وجل قد سخر قدر البوعزيزي ليحيي أمه ماتت منذ زمن وأصبحت في الدرك الأسفل من الحياة ولا أمل فيها لتحقيق أمر من الله كان مفعولا.

اتق الله يا شيخ عثمان في خلقه واترك الحكم على قتلى الحرية، حرية الحياة والعقيدة والممات إلى خالقهم فهو أعلم وأكرم وأرحم منك، ولنحتسبهم شهداء عنده بإذنه، وإن كنت لا تبالي بما يقوم به إخوانك في الله من أمتك ولا تعتقد بجهادهم في سبيل الله بما يرونه، فرفقاً بأهالي وعوائل هؤلاء «القتلى» الذين يحتسبون موتاهم شهداء عند ربهم.

 وأذكر فضيلتكم بقول رسول الأمة عليه أفضل الصلاة والتسليم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». صدق رسول الله والحمد لله الذي استأثر بقبول شهدائه عن سواه.