أتذكر حين انطلقت الفضائيات ببرامجها المرسلة على الهواء مباشرة دون قيود، ظللنا فترة طويلة نشتكي من المداخلات المتهورة، خصوصاً من الشباب، فما إن نتبين أن المتصل شاب سعودي ومقدمة البرنامج شابة جميلة حتى نقول في سرنا (الله يعدي الاتصال على خير).

Ad

بعض الشباب المتهور ظن أن الأعتداء على المذيعة الجميلة، وإحراجها على الهواء نادرة من النوادر، كما كان يتلذذ بفرحة النصر بأن فعلته مرت دون اعتقال. كان هذا هو التصرف العدواني الأول في فضاء بلا قيود، والذي جعلنا نكتشف أننا نعاني من أزمة تربية وتعليم، تلي ذلك كاميرا الهاتف المحمول التي وفرت وسيلة للتصوير في يد المراهقين والشباب من الجنسين، فعادت ظاهرة الاعتداء على الآخرين تتكرر، ولم يبرع شبابنا وشاباتنا في الإبداع والتصوير بقدر ما برعوا في تصوير الفضائح والخصوصيات والتعامل معها كأنها غنائم حرب، بعض الناس لا تراهم سوى شاهرين كاميراتهم في وجه الآخرين كأنهم يريدون تحويل عيونهم إلى ألبوم صور، وبعض نسائنا تتستر خلف عباءة ونقاب بينما هي تهتك ستر الناس من حولها دون توقف. هذه المظاهر اختفت اليوم تقريباً، بل وأصحبت من العصر البائد، لكن ظاهرة العنف والتعدي والاختصام ظلت ظاهرة تلازم استخدامنا لوسائل الاتصال، والتقنية الحديثة التي تتوفر في فضاء حر دون رقيب، خصوصاً متى ما ضمن المتطفل أو المعتدي عدم التعرف على شخصه.

اليوم في «تويتر» نقع في المشكلة ذاتها، عبر نافذة تحتوي على 140 حرفاً يعبر فيها المستخدم عن نفسه، كلٌ بطريقته التي ذكرتنا برسائل الجوال، بعضنا يضع مقولة وبعضهم يضع بيت شعر، أما الشباب الصغير فيحرص على أن يخبرك أين يتواجد كل خمس دقائق «أنا الآن على الكنبة أشرب شاي وأتفرج علي التلفزيون». لكن «تويتر» في بلاد محافظة لا يتحول إلى وسائل للتواصل، بل إلى وسيلة للتناوش تكشف عجزنا عن فهم أنفسنا وفهم الآخر، وما هذا إلا بسبب عجز في أنظمة الإدارة، بدءاً بالإدارة السياسية وانتهاء بإدارة نافذة من 140 حرفاً، والدليل أن أغلب مستخدمي هذه الوسائل يتسترون خلف أسماء مستعارة، وعالم التواصل يتحول إلى شوارع فرجة على الآخر لا تواصل معه، والتجربة التي تحصل عليها عبر «تويتر» ليست هي ذاتها عند آخر،  فلو دخلت هذا العالم باسم مستعار فإنك لن تحصل على نفس التجربة لو دخلته باسمك الصريح، ولو دخلته وأنت شخصية معروفة فلن تكون مثل شخص غير معروف، وقد تسمع كلاماً يجعلك تتعوذ من الشيطان وتندم على يوم فتحت فيه حساباً.

وجهتُ سؤالاً عبر «تويتر» فقلت: شعب «تويتر» هل أنت سعيد مع تويتر؟ فجاءتني رسائل كثيرة تقول إنهم سعداء  لأنهم أحرار، لكنني لا أفهم لماذا يتنكر الأحرار بأسماء مزيفة إن كانوا حقاً أحراراً؟.