أعتقد أنه بات من الواضح للجميع أن مسلسل الكوادر لن ينتهي ما دامت الزيادات تجري بالطريقة الحالية، والمتمثلة بإقرار كل كادر على حدة دون النظر إلى بقية مؤسسات الدولة، مما أوجد خللاً كبيراً في الأجور تمثل، على سبيل المثال، بحصول بعض خريجي الثانوية والدبلوم في القطاع النفطي على رواتب تفوق رواتب الجراحين الاستشاريين وأساتذة الجامعة!
والمصيبة الكبرى تتمثل بازدياد فجوة الرواتب بين القطاع العام المليء بالبطالة المقنعة والقطاع الخاص، مما سيؤدي إلى حدوث هجرة من الثاني إلى الأول؛ مع أن الحكومة الرشيدة جدا تريد إيجاد 14 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص سنويا ضمن خطة التنمية "من وين يا حظي؟" ولذلك، لا بد من خطوات جريئة لتصحيح الخلل والفوضى التي حدثت خلال الأعوام السبعة الماضية والتي تتمثل بالخيارات التالية:أولا، وضع مسطرة واحدة لجميع رواتب العاملين في القطاع العام، ويتم التصنيف حسب الشهادة وطبيعة العمل وعدد الكويتيين في المهنة، بحيث تصرف بدلات أكبر للمهن التي يشكل فيها الكويتيون قلة، ومن ثم رفع رواتب جميع العاملين الذين لم يحصلوا على أي زيادة، إضافة إلى المتقاعدين وهم أكبر المتضررين من فوضى إقرار الكوادر. فليس من المعقول أن يكافأ من يقوم بالإضرابات بالكرم الحاتمي بينما يحصل الباقون على الفتات، ويجب أيضا ضم المؤسسات المستقلة كمؤسسة البترول ضمن هذه المسطرة حتى لا تتحول إلى دولة داخل دولة كما رأينا أخيراً، وبعد أن توضع هذه المسطرة ويتم التسكين، تفرض ضريبة دخل لا تقل عن 20% على العاملين في هذا القطاع، أو أن تخصم نفس النسبة من جميع الرواتب لأنها لم تكن مستحقة أصلاً بهذا المقدار الذي لم يكن ليتحقق لولا الفوضى في الزيادات. والغرض من هذا الخصم هو دفع الناس إلى الهجرة من القطاع العام إلى القطاع الخاص الذي يُعفى العاملون فيه من أي ضريبة أو خصم، بل على العكس يجب زيادة دعم العمالة أو وضع بدلات حسب الشهادة للعاملين فيه.ثانيا، تقليل الدعم على السلع والخدمات بشكل كبير أو إلغاؤه كلياً، فبعد الزيادة الهائلة في الرواتب خلال العقد الماضي والتي لا تقل عن 100% في كثير من قطاعات الدولة، لا يوجد أي داع لدعم الدولة للسلع والذي بلغ 4 مليارات دينار فقط لا غير في الميزانية الأخيرة، وهذا المبلغ كان يشكل إجمالي ميزانية الدولة قبل عشر سنوات فقط.فزيادة السيولة بشكل كبير لدى الناس سيؤدي حتما إلى زيادة الأسعار والتضخم، وبدلا من أن تذهب هذه السيولة إلى جيوب التجار، يجب أن تعود من جديد إلى جيب الدولة حتى ينخفض الإنفاق الاستهلاكي في ميزانيتها. ومن إيجابيات هذه الخطوة القضاء على مظاهر الفساد المصاحبة لسياسة دعم السلع أو التقليل منها على الأقل، ومن أبرزها فضيحة تهريب الديزل إلى خارج البلاد والتي تقدر بعشرات الملايين، إضافة إلى الإسراف في استهلاك المياه والكهرباء والبنزين دون حسيب أو رقيب، فإلغاء الدعم سيؤدي إلى ترشيد استهلاك هذه السلع، وبذلك لن تنفق الدولة المزيد من الملايين لمشاريع هدفها زيادة الإنتاج لمزيد من الإسراف، وعلى عكس ما يظنه البعض فإن دعم السلع يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء، فاستهلاك أصحاب القصور والسيارات الكثيرة للكهرباء والماء والمشتقات النفطية أكثر من استهلاك محدودي الدخل لهذه السلع، وذلك يعني أن الدولة تدعم هؤلاء بأموال أكثر من دعهما لمحدودي الدخل.بالإمكان العمل بأحد هذين الخيارين أو المزج بينهما حسب الحاجة على أن تكون المعادلة النهائية في مصلحة العاملين في القطاع الخاص؛ حتى نشجع المواطنين على العمل الجدي في هذا القطاع بدلا من الركون إلى القطاع العام المتخم أصلا، خصوصاً أن هناك نصف مليون مواطن سيدخلون سوق العمل خلال العشرين سنة القادمة، ومن المستحيل توظيفهم في القطاع العام، كما أن الهجرة من العام إلى الخاص لها فوائد كثيرة منها إصلاح الخلل في التركيبة السكانية تدريجيا عندما يحل المواطنون محل الأجانب في القطاع الخاص، والذي يؤدي بدوره إلى تخفيف الضغط على الخدمات والبنية التحتية والمرور، والذي بدوره سيدفع الحكومة إلى تقليل الإنفاق على المشاريع التي تستهدف توسيع شبكة الطرق وغيرها من الخدمات التي ما كانت لتنفق الدولة عليها المليارات لولا الزيادة الكبيرة للوافدين بسبب سياسات الحكومة المتخبطة والمتمثلة بتكديس المواطنين في القطاع العام. إنها خطوات سنضطر عاجلا أم آجلا لاتخاذها، فمن الأولى العمل بها الآن قبل أن نجبر عليها، لكني لست متفائلا بذلك في ظل حكومة ضعيفة ومتخبطة، وبوجود أخيها شهاب الدين مجلس الأمة الأكثر دجلاً وتخبطاً.
مقالات
اقتراحات للجنة الاستشارية الاقتصادية
20-10-2011