لو حكى لي أقرب صديق عما حدث يوم الأربعاء من بعض نواب مجلس الأمة وجمع من المواطنين لنعته بالمبالغة وإهانة نواب المجلس والناس، فكيف أصدّق أن نوابنا الأفاضل يندفعون مع شباب متحمس لكسر باب مجلس الأمة والعبث به وإهانته كما شاهدنا بالصوت والصورة؟!

Ad

أين العقل والحكمة مما حدث؟ وكيف يمكن لمشرعين يمثلون الأمة أن يتطاولوا على بيت الأمة ويقتحموه وكأنهم جيوش صلاح الدين يفتحون بيت المقدس؟ ما الذي حدث لعقول نواب كبار يحترمون الدستور ويجهرون بالدفاع عنه لكي يتحولوا إلى عصابات شوارع تهاجم المكان الذي توقعنا أن يكونوا حماته؟

ما الذي حدث لبوصلة هؤلاء النواب ليقدموا على ما فعلوه ليحولوا قضية شعبية ضد الحكومة إلى انتكاسة بحق أنفسهم وحق بيت الأمة وحق الأمة التي ائتمنتهم على حقوقها؟ نائب الأمة دوره أن يكون الطرف الذي يحمي المؤسسات الدستورية من عبث العابثين وتآمر المتآمرين، وأن يقود حركة الشارع بخطوات إيجابية هدفها حماية الوطن ومنع أي مندس أو متآمر من أن يستغل غضب الجماهير من التطرف وترشيد الحماس الزائد ما دام في البلد المؤسسات والأدوات والطرق المشروعة لتحقيق أهداف الأمة. كنت أتوقع من أعضاء مجلس الأمة أن يلجؤوا إلى كل الوسائل الدستورية للمحاسبة، وتقديم المقترحات لكشف أي تلاعب، وأن يستخدموا وسائل الضغط المشروعة، وعندهم صحافة وإعلام مفتوحان لدعم جهودهم من خلال المجلس وقاعة عبدالله السالم وبالأسلوب الحضاري البعيد عن التشنج والانفعال، وليس بتأليب الناس للهجوم على المجلس وإهانته.

إن ما حدث كان نتيجة شحن من نواب الاستعراض والصوت العالي والنفوس المتعالية التي لا تعرف حدودا، وتطرب للتصفيق، وتفقد السيطرة على النفس أمام الجموع. وفي هذه المرة تعدوا كل حدود. ويجب أن يحاسبهم الناس على فعلتهم حتى لا يعرضوا البلد للخطر مرة أخرى، وعلى الناس أن تتوجه إلى دواوين هؤلاء النواب لتستهجن تصرفهم وتطالب باعتذارهم للأمة.

إن تجاوزات الحكومة وقضية حسابات النواب المتهمين بحيازة أموال لا مبرر لها سواء كانت رشوة من مسؤول أو من عمليات غسيل أموال بالإضافة إلى كل قضايا التردي في أداء الحكومة لا بد من مناقشتها ومحاسبة الحكومة عليها، لكن بالطرق والوسائل الدستورية المشروعة، لا بالإثارة وإشعال البلد.

كنا سنصفق للنواب لو أنهم انسحبوا من المجلس وفرضوا انتخابات جديدة لكي يتخلص الشعب من النواب المرتشين وسيئي الأداء بدلا من هذا الإجراء المستهجن. عندها كنا سنعرف مدى جدية النواب ومدى حرصهم على تنظيف صفوفهم والاستعداد بأغلبية أكبر لمواجهة الحكومة في قاعة عبدالله السالم في انتخابات جديدة.

إننا بلد ممزق بفضل سياسات التقسيم والتأزيم وتفتيت الوحدة الوطنية ولا يستحمل حركات مثيرة، فكل النواب يدركون الحالة الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي نعيشها، ولو فكر النواب المقتحمون لحظة واحدة لأدركوا خطورة حركتهم، ولما جروا أو انجروا لفعل سيئ بحجم ما حدث يوم الأربعاء.

أخشى على الكويت من نائب يفقد سيطرته أمام صيحات الإعجاب وتنتفخ أوداجه بصفات القوة والشجاعة، فيضل طريقه ويسعى إلى المزيد من عشق الذات على حساب الوطن والمواطنين.