أسواق الطاقة أم حوكمة الطاقة؟

نشر في 10-11-2011
آخر تحديث 10-11-2011 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في هذا الشهر تنشر وكالة الطاقة الدولية تقريرها السنوي المعترف به دولياً تحت عنوان "توقعات الطاقة العالمية"، وهو التقرير الذي سيؤكد أننا لا نسير على الطريق الصحيح للحد من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، فإذا استمر الاتجاه الحالي في إنتاج الطاقة، فإن متوسط درجات الحرارة على كوكب الأرض سيكون بحلول عام 2100 أعلى بمقدار درجتين مئويتين مقارنة بالمستوى الذي كان عليه في عام 1990، الأمر الذي يعني إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بكوكبنا والظروف اللازمة لاستمرار حياة البشر عليه.

وهناك أزمات أخرى أكثر إلحاحاً تستأثر باهتمام العالم بالكامل تقريبا، وتحول انتباه الحكومات والمواطنين على السواء بعيداً عن تحديات الطاقة التي لا تزال ماثلة أمامنا، ففي الولايات المتحدة لم نشهد أي مناقشات حول قضية الطاقة على المستوى الفدرالي لفترة طويلة؛ والاتحاد الأوروبي واقع في قلب إعصار مالي لا فكاك منه؛ والبلدان الناشئة تريد الحفاظ على النمو الاقتصادي السريع حتى يتسنى لها انتشال الملايين من براثن الفقر. وفي هذا السياق، يمر الاجتماع المقبل لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والمقرر انعقاده في آخر شهر نوفمبر في ديربان بجنوب إفريقيا، من دون أن يسترعي أي انتباه على الإطلاق.

ولكن الطاقة تشكل أهمية جوهرية بالنسبة إلى البشرية، ليس فقط بسبب العوامل الخارجية السلبية المحتملة المحيطة بها، بل بسبب أهميتها الاقتصادية أيضاً: فالدول الغربية تنفق نحو 8% إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي على الطاقة، وتنفق عليها الدول النامية مثلين إلى ثلاثة أمثال هذه النسبة، ولهذا السبب أصبحنا في احتياج شديد إلى نظام للتحكم بالطاقة.

وبسبب العوامل الخارجية السلبية الضارة بالبيئة في الأساس، فإن سوق الطاقة غير الخاضعة للتنظيم لا تشكل آلية حكومية مفيدة، لأنها غير قادرة على استيعاب التكاليف البيئية، فطبقاً للتقديرات يتعين على أكثر مصادر الطاقة تلويثاً للبيئة أن تسدد ضريبة تبلغ 70% لكي تعكس تأثيراتها السلبية.

والواقع أن النقص الكبير في المعلومات في هذا المجال يشكل سبباً آخر لعجز السوق الحرة عن أداء وظيفتها على النحو اللائق، ففي الكثير من الأحيان، كما هي الحال فيما يتصل بخصائص الاحتياطي من الغاز على سبيل المثال، يكون الحصول على المعلومات صعباً من الناحية الفنية، فضلاً عن ذلك فإن الحكومات تنظر إلى المصادر الطبيعية باعتبارها مجالاً استراتيجياً ولا تنشر أي معلومات عنها. وأخيراً، تكون الأطر الزمنية المتصلة بالطاقة طويلة عادة: فتمتد التأثيرات البيئية قروناً من الزمان، في حين تحتاج الاستثمارات إلى عشرات السنين قبل أن تؤتي أُكُلها، وعلى هذا فإن التحكم بالطاقة لابد أن يتم من خلال نظام قائم على التعاون وفرض القيود التنظيمية.

لا شك أن تحقيق هذه الغاية سيكون بالغ التعقيد، ذلك أن إدارة الطاقة تتطلب الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الفنية والسياسية والاقتصادية في الوقت نفسه، فاستكشاف الطاقة وإنتاجها يشتمل على العديد من التخصصات والتكنولوجيات المختلفة: طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والنووية، والفحم، إلى آخر ذلك. وهناك أمر مماثل يتصل بالمجال السياسي، حيث يتم تنظيم القطاعين الصناعي والاقتصادي بشكل منفصل، كما تفرض الحاجة إلى التنسيق الدولي صعوبات إضافية.

إن قطاع الطاقة يُعَد مثالاً لعدم كفاية مؤسساتنا المتعددة الأطراف، فسياسة الطاقة تُنَظَّم على المستوى الوطني، ولكن العوامل الخارجية المحيطة بهذا القطاع عالمية، فحدوث تسرب إشعاعي، أو انفجار بئر نفطية تحت البحر، أو انبعاث ثاني أكسيد الكربون في المقام الأول، لا يهدد دولة واحدة فحسب، ومن ناحية أخرى، فإن فوائد الطاقة تلتصق بوكلاء بعينهم، سواء من المستهلكين أو المنتجين أو البائعين. وهذا الاختلال في التوازن يخلق حافزاً واضحاً لركاب المجان (الانتهازيين): الذين يستفيدون في حين يتحمل بقيتنا الثمن.

وتشكل الحوكمة العالمية ضرورة أساسية فضلاً عن ذلك، بسبب الانفصال بين المعروض من الطاقة والطلب عليها في أنحاء العالم المختلفة. فقِلة من بلدان العالم تتمتع بالتوازن المحايد للطاقة، ويشكل النفط، المصدر الرئيسي للطاقة على مستوى العالم، دلالة بالغة الأهمية في هذا الصدد، فالشرق الأوسط لديه فائض تجاري من النفط يبلغ 266%، والولايات المتحدة تعاني عجزاً يبلغ 65%. ويتطلب علاج هذا الخلل في التوازن الجغرافي وجود نظام مقنن للتجارة، وقيود تنظيمية واضحة، وسوق عالمية جيدة التنظيم. ولكن اليوم تنتشر الاتفاقيات الثنائية الغامضة، وتتعايش المتطلبات البيئية الشديدة التباين مع إعانات الدعم المتناقضة.

ونتيجة لهذا، أصبحت مؤسسات الطاقة العالمية غير كافية على الإطلاق، فوكالة الطاقة الدولية لا تسمح بالتحاق أي دولة لا تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسيد)، وهي بهذا تستبعد الصين التي تُعَد أكبر مستهلك للطاقة على مستوى العالم. ومعاهدة ميثاق الطاقة بين الحكومية، التي تلزم الموقعين عليها بتطبيق قواعد سوقية محايدة في التعامل مع منتجات الطاقة والخدمات المرتبطة بها، لم توقع عليها الولايات المتحدة، ثاني أكبر مستهلك للطاقة على مستوى العالم، ولم تصدق عليها روسيا أكبر منتج للنفط على مستوى العالم. ولا تنطبق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على الطاقة إلا بشكل هامشي طفيف، لأن الطاقة تُعَد مورداً طبيعياً غير متجدد، وهذا يعني إعفاءها من القواعد في العديد من الحالات.

فضلاً عن ذلك فإن البلدان غير الغربية- التي تشمل كبار المستهلكين مثل الصين والهند، وكبار المنتجين (دول الخليج وروسيا)- لا تثق بالنظام المؤسسي الذي أنشأه الغرب في الأساس. وتحتج البلدان الناشئة، وهي مُحِقة في ذلك، بأن الغرب مسؤول عن مشكلة تغير المناخ التي يواجهها العالم اليوم، فمنذ الثورة الصناعية وإلى وقت قريب للغاية، كانت التنمية في الغرب متحررة من أي قيود بيئية، وتعتقد الدول الناشئة أنها ليست مضطرة لتحمل تكاليف التكيف والتعديل. وعلى نحو مماثل، ترفض الدول المنتجة التخلي عن واحدة من قواعد القوة القليلة التي تتمتع بها.

إن أي حل لابد أن يتضمن إنشاء مؤسسة جديدة، وقد تكون فكرة طيبة كبداية أن تتفاوض الدول الأكثر إطلاقاً للانبعاثات على الطاقة من خلال مجموعة العشرين على سبيل المثال، وفي وقت لاحق يمكن فتح باب المفاوضات أمام كل الدول، ووضعها تحت نطاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على سبيل المثال.

ومن الأهمية بمكان أن يكون تركيز المفاوضات شاملا، بحيث يسفر عن وضع حدود للانبعاثات وتوفير الدعم المالي والتكنولوجي لمصادر الطاقة الأقل ضرراً بالبيئة، ومن المؤكد أن الحد من الانبعاثات من شأنه أن يفرض تكاليف غير متناسبة على الدول المصدرة للنفط، وعلى المستهلكين في الدول الناشئة، حيث التكنولوجيا أقل تطورا.

في اجتماع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في ديربان، يتعين على كل الدول- المتقدمة والناشئة، والتي تتمتع بموارد طبيعية أو تلك التي لا تتمتع بها- أن توحد جهودها حتى نضمن ألا تفاجئنا أعظم أزمة على الإطلاق، بعد أن نتمكن أخيراً من حل الأزمات الأخرى التي تقض مضجع العالم في الوقت الراهن.

* خافيير سولانا ، الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، والأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلنطي، وكبير زملاء معهد بروكينعز.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top