من يبتسم له الحظ فيكتب كتابا جيدا ويجد تجاوبا من القراء، يجد نفسه وقد وقع في مصيدة أنه مطالب بكتاب آخر، ويتوقع الناس منه أن يكون الكتاب الجديد أفضل من سابقه، بطبيعة الحال، وأظنني ممن وقعوا في هذه المصيدة.
صحيح أن الكتاب الذي أنتجته منذ سنوات ليست ببعيدة، وأعني كتاب "القراءة الذكية"، لا يعد كتابا من تلك الكتب الفائقة، بل هو أقرب إلى أن يكون كتيبا من الكتيبات المبسطة للتنمية والتطوير الذاتي، إلا أن حجم التفاعل الذي لاقاه من قراء من مختلف بقاع العالم، حرصوا على أن يتواصلوا معي للتعبير عن شكرهم وتقديرهم لما جاء فيه، وكيف كان له الأثر الجيد فيهم، على بساطته، جعلني أستشعر طوال الوقت ثقل المسؤولية!أعترف أني لا أزال، وبشكل يكاد يكون لحظيا، مأخوذا بفكرة إنتاج كتاب ثان، لكنني أيضا لا أزال، وبشكل مضاد متلازم، مترددا بل مرعوبا من فكرة إنتاج كتاب لا يكون على المستوى الجيد، هذا على الرغم من وجود عدة مشاريع وأفكار، أظنها ناضجة جدا، أمامي تنتظر فرصة الخروج على هيئة كتب. وبالطبع لا تتضمن هذه الأفكار فكرة جمع مقالاتي الصحفية، وإصدارها مجموعة على هيئة كتاب، فهذه الفكرة بالذات لا تروق لي أبدا لكوني أشعر بأنه، على الرغم من كوني ممن يستمتعون شخصيا بقراءة الكتب التي جُمِعت فيها مقالات الكتاب الصحفيين، سيظل ينقصها عنصر ما دوما، ولا أود أن أتوجه إليها هكذا، ما لم أجد هذا العنصر السحري الذي سيكملها، في إحساسي الشخصي على الأقل!نعم... لا أزال مترددا في الإقدام على كتابة أي شيء جديد خشية أن يكون الناتج مجرد كتاب آخر، كتاب لا يكون له أثر حقيقي في قارئه، فأنا قارئ محترف قبل أن أكون كاتبا لا بأس به، وأفهم تماما معنى أن يكون الكتاب باهتا رخوا ضعيف المحتوى وبلا أي تأثير حقيقي في نفس ووعي القارئ، كما أنني من أولئك القراء الذين لا يترددون بضرب أي كتاب عرض الحائط عند صفحته الخمسين، وربما قبلها، عندما يفشل الكتاب ويعجز عن إيقاظ واستفزاز عقولهم أو مس وتحريك قلوبهم، ولهذا فلا أريد لكتاب يحمل اسمي أن ينتهي إلى هذا المنتهى الشنيع بيد قارئ غيور من القراء!أقول هذا مدركا أن الكتب الباردة الرخوة قد تكون جزءا من مسيرة الكتابة للكاتب حتى لحظة الكشف الحقيقية والاشتعال الفعلي للموهبة الكتابية عنده، بدليل أن كثيرا من الكتاب المشهورين كتبوا لسنوات طويلة كتبا ليست على مستوى عال، ثم اندفعوا إلى الأعلى كالصاروخ بعد كتاب مذهل بعينه، لكنني مع ذلك أظل أعيش هذا القلق الذي لا يوصف من الإقدام على هذه المغامرة، وأعتقد أن الأمر راجع، كما ذكرت سابقا، لكوني قارئا قبل أن أكون كاتبا، قارئا يدرك تماما صعوبة العثور على الكتاب الجيد في زحام مئات بل آلاف الكتب الركيكة التي تدفعها المطابع يوميا إلى رفوف المكتبات، وأخشى لذلك أن أشارك بهذا لأي سبب كان.كتبت هذا وأنا أدرك أن البعض قد يقول إنه من قبيل القسوة المفرطة على الذات، ولو أن كل من كان سيكتب فكرا هكذا، فلن يكتب أحد، كما أنه لا أحد يستطيع أن يضمن جودة منتجه الكتابي إلى هذا الحد قبل كتابته، لكن ماذا أفعل وهذا شعوري وهذا قلقي، ومن يدري كذلك فلعلي سأنتهي لأكون "الكاتب الذي لم يكتب شيئا"!
مقالات
الكاتب الذي لم يكتب شيئا
26-07-2011