لماذا لا؟!
إذا كان تسليح "الجيش السوري الحر" مرفوضاً، وإذا كان التدخل العسكري من قبل مجلس الأمن الدولي أو حلف "الناتو" غير مقبول، وإذا كان أي تعاطٍ بالقوة مع الأزمة السورية الملتهبة رجساً من عمل الشيطان فهل المطلوب إذاً أن يستمر نظام بشار الأسد في ذبح شعبه على أساس أن مثل هذا الذبح محلل، أما أن تتدخل جهة دولية أو عربية وتضرب هذا النظام على يده فإن هذا حرام وغير جائز وهو مسٌّ بالعذرية القومية؟!لم يقل أحد في البدايات بضرورة عدم سلمية الثورة السورية، ولقد بقي هذا الموقف مستمراً، حتى بالنسبة إلى أكثر المعارضين تطرفاً، لنحو نصف عامٍ ويزيد وكل هذا بينما لجأ بشار الأسد إلى سياسة الاستئصال والحلول الأمنية والقوة الغاشمة منذ اللحظة الأولى مما استدعى أن يبرز من بين منتسبي القوات المسلحة من بادر إلى رفض أوامر ذبح شعبه وإلى الانشقاق وتشكيل نواة "الجيش السوري الحر" الذي أعلن أن هدفه هو حماية السوريين من بطش نظام دموي لا يعرف إلا البطش والقوة العسكرية.
الآن اقتربت ثورة الشعب السوري التي انطلقت من درعا، كما هو معروف في الخامس عشر من مارس الماضي، من نهاية عامها الأول، وهو عام واصل نظام بشار الأسد خلال كل شهوره ولياليه ونهاراته ارتكاب مجازر بشعة ضد شعب أعزل بقي يستقبل الرصاص وشظايا المتفجرات بصدور أطفاله، ولذلك وبما أن هذا النظام قد رفض وبقي يرفض كل الحلول المستندة إلى الحوار والوسائل السلمية فهل المطلوب إذاً أن يرفع هذا الشعب يديه ويعلن الاستسلام ويقبل استمرار هذا النظام بكل مآسيه وويلاته وبطشه واستبداده أربعين سنة أخرى؟!إن هناك سابقة هي مذبحة حماة الشهيرة في عام 1982، ولعل ما بات مؤكداً هو أن هذا النظام يسعى إلى تكرار هذه المذبحة، ولكن على مستوى سورية كلها، من البوكمال في الشرق حتى اللاذقية وجبلة في الغرب ومن باب الهوى في الشمال حتى درعا في الجنوب... فهل يريد الذين يرفضون تسليح "الجيش السوري الحر" أن ينتقل ما جرى في بابا عمرو في حمص إلى كل المدن والقرى السورية وأن تسود فترة ظلام كالتي سادت منذ بدايات ثمانينيات القرن الفائت وحتى الخامس عشر من مارس الماضي، وهو اليوم الذي انطلقت فيه هذه الانتفاضة المباركة والعظيمة؟!عندما يقبل هؤلاء الذين يخشون على عذريتهم القومية بالتدخل الدولي في البلقان لإنقاذ المسلمين من بطش العنصريين والقتلة الصرب وبالتدخل في كوسوفو وفي ساحل العاج، فإن عليهم أن يقبلوا بتسليح الجيش السوري الحر وبمساندة دولية على غرار ما جرى في ليبيا على الأقل، أما أن يستمر نظام بشار الأسد في ذبح شعبه على هذا النحو الهمجي بينما العالم، ومعه العرب، يكتفي بالشجب الكلامي فإن هذا مشاركة في هذه الجريمة وهو ما يدفع هذا البلد فعلاً نحو الانقسام والتشظي والحرب الأهلية.