إصلاح شامل
قد لا يكون حجم الأموال "المغسولة" في فضيحة الإيداعات المليونية "نواب غيت" كبيراً مقارنة بسرقات واختلاسات سابقة، وصحيح أن قانون غسل الأموال رقم 2005/35 لن يكون هو الأداة القانونية المناسبة لمحاربة الفساد بنجاعة واقتدار، فذلك القانون علي أية حال كان الهدف منه مكافحة تمويل الإرهاب، وقد صدر كاستجابة لضغوط دولية بهذا الصدد، ولذلك وجدناه قد صدر يتيماً وحيداً دون المنظومة القانونية لمكافحة الفساد.كل ذلك معلوم ومفهوم إلّا أن أهمية هذه القضية هي أنها ليست إلّا جليداً على قمة جبل الفساد الراسخ في الممارسة السياسية، التي باتت جزءاً من ثقافة عامة نحتاج الكثير من العمل والتركيز لاقتلاعها.
أهمية هذه القضية أنها أنعشت أملاً في بداية طريق طويل للإصلاح الشامل وليس الحلول الترقيعية التي تركز على استبدال أشخاص بأشخاص آخرين.كما تكمن أهميتها في أنها من المرات النادرة التي تشمل في تداعياتها ولا أقول شقها القانوني السلطتين على طريقة عصفورين بحجر، وبالتالي فإن كان إصلاح الحكومة وشفافيتها وفرض رقابة صارمة على سلوكها المالي ضرورة للتنمية والعدالة ولاستقرار المجتمع فإن إصلاح الحكومة ذاك يكون ناقصاً إن لم يتزامن مع إصلاحات جذرية لمجلس الأمة وسلوك النواب، وهم الذين خولهم الدستور التشريع كما خولهم الرقابة، فإن كان المسؤول عن الرقابة يعاني خريراً في ذمته فلنا أن نتوقع حال البلاد. من تداعيات "نواب غيت" أن الحكومة وافقت على حزمة قانونية لمكافحة الفساد، وهي وإن كانت تعاني من ثغرات إلّا أن الفضيحة إياها قد أسهمت في بروز حوار وانتقادات جدية حول ذلك المشروع، وعسي أن تخرج تلك المشاريع إلى النور وهي في أحسن حال لا تعاني من اختلالات غسل الأموال ولا حتى قانون محاكمة الوزراء المعيب على سبيل المثال لا الحصر.ليس المطلوب صلب المتورطين أو بتر أطرافهم أو إلقاءهم ربما من أعلى برج التحرير، فالتركيز على الأشخاص لا يعدو كونه تحويلهم إلى أكباش فداء لممارسات غاص في وحلها من هو أكبر منهم، وكانوا هم الجانب الساذج من الفضيحة.وهكذا فإن الحاجة أصبحت ماسة إلى التركيز على الموضوع لا على الأشخاص أملاً في تضييق السبل على الفاسدين أياً كانوا.هناك بدايات لتحرك جاد من بعض النواب في هذا الاتجاه حتى لا تصدر قوانين جديدة عرجاء وينطبق علينا حينها المثل القائل "لا طبنا ولا غدا الشر".