ما جرى في "تيماء" من استخدام مفرط للقوة وانتهاك غير مبرر لحقوق الإنسان يشير في اتجاه غير محمود، بل يعيدنا إلى الوراء أكثر من ٢٥ عاماً.

Ad

حالة الوهن التي تمر بها الدولة قد تتحول إلى محاولة استعادة الهيبة، وهو سلوك تقليدي للحكومات المرتبكة.

حتى قبل سنتين لم يكن هناك توافق وطني لكيفية حل المشكلة، فقد كان هناك اتجاه حكومي يصر على الحل الأمني فقط، واتجاه آخر يمثله البعض، وأنا منهم، يدعو إلى الحل الإنساني الذي من ضمنه تجنيس من يستحق ومعاملة البقية معاملة إنسانية.

قبل سنتين حدث التوافق الوطني واقتنعت الحكومة أخيراً بأن مدخل حل مشكلة البدون لن يتم إلا إنسانياً، وهكذا توافقنا جميعاً على أن إبقاء موضوع البدون على حالته المزرية أمر غير مقبول، وأن أهم مدخل للحل هو أن كرامة الإنسان لا نقاش حولها، وأن من يستحق الجنسية سيأخذها ومن لا يستحقها تتم معاملته معاملة إنسانية كريمة.

هذه هي الخطوط العامة للحل دون الدخول في التفاصيل، وهذا ما أدركته الحكومة قبل سنتين تقريباً بعد فشل ذريع للحل الأمني الذي استمر في التدمير لما يزيد على عشرين عاماً.

الحكومة أقرت علناً بخطأ سلوكها اللاإنساني لما يقارب الخمسة والعشرين عاماً، واستناداً إلى هذا الاعتراف تم تأسيس الجهاز المركزي للبدون. بالطبع لدينا اختلافات كبيرة مع التفاصيل والتطبيقات، ولكن الإطار الأساسي لخارطة طريق حل مشكلة البدون أصبح واضحاً.

إذاً أين تكمن المشكلة؟ تكمن المشكلة أولاً في انعدام الثقة بجدية هذه الخطة، فبعد ما يزيد على عقدين من الزمان تكونت ثقافة معادية للبدون في الأجهزة الرسمية تسللت لتتحول عند بعض الناس إلى مسلمات من الصعب فكها.

ومن خلال تجربة طويلة في التدريس والعمل الإنساني في قضية البدون وجدت أن هناك مشكلة في الوعي بالموضوع. فكثير من الناس إن لم يكن الأغلبية يجهل حقيقة موضوع البدون وتفاصيله. ولي دراسة في ذلك متوفرة على الإنترنت.

تكمن المشكلة أيضاً، وهي ما يعانيه الجهاز المركزي للبدون نفسه، في أنه وعبر السنين تكونت حزمة من اللوائح والنظم القانونية البيروقراطية المعادية للبدون، ومعها مسؤولون أيضاً ممن لا يرون أن البدون بشر وبالتالي لهم حقوق.

هناك حاجة عاجلة إن كان هناك في حكومتنا من يعنيه أمن البلد ومعيشة البشر على أرضه بكرامة أن يتم اتخاذ قرار مركزي نهائي بإنهاء كل العقبات خلال شهر أو شهرين.

هل هذا ممكن؟ الإجابة هي نعم كبيرة بل وبأقل من ذلك حتى.

أما ما نراه من حالة احتقان بين شباب البدون فهو أمر طبيعي ومتوقع، ولطالما حذرنا منه، والتعجيل بالإجراءات قد يسهم في تخفيف الاحتقان لشباب يشعرون بأن أحلامهم ومستقبلهم قد حكم عليه بالإعدام.

هناك الكثير من الأفكار لتعجيل مسار الحل، وعلى الحكومة كونها هي من خلق المشكلة أن تضع المبادرات السريعة لحلها بدلاً من إظهار القوة غير المبررة التي تضر بأمن البلد، دع عنك انتهاكها الواضح لحقوق الإنسان.