في آخر مقال الأسبوع الماضي تمنيت على راكبي موجة الثورة والملتحقين بركبها واللاهثين على موطئ قلم لا قدم فيها تمنيت عليهم أن يصمتوا ورجوتهم أن يصمتوا. ولم يمر أسبوع حتى صدمني كما صدم غيري من متابعي الثقافة العربية لبعض ألعاب وأكروبات المثقف العربي المعروف بولائه للسلطة وحبه لها وقدرته العجيبة على استقبال هوائها البارد ولياقته الفريدة بإدارة ظهره الى سلطة الماضي أقول صدمت بتصريح الغيطاني غير اللائق والمنفر فعلا، وهو يحدث مثقفين مثله يعرفهم ويعرفونه حق المعرفة بأن الثورة المصرية الأخيرة كانت نتيجة لكتبه التي قرأها شباب الثورة.

Ad

وحتى يبتعد الغيطاني عن النرجسية التي قد يفهمها البعض من حديثه "التاريخي" – لا سمح الله – فهو يضيف أبناء جيله اليه، وربما كان يقصد بأبناء جيله الروائي الكبير صنع الله ابراهيم الذي سنعود اليه لاحقا في المقال، وهو يقدم اطروحاته التي بناها على حكاية مفتعلة بأن أحد الشباب في الميدان قال له "مرحباً بالزيني  بركات" وهو بطل رواية للكاتب. لا نريد أن نفترض هنا أن الشاب نسي اسم الكاتب وتذكر شخصية عمله الزيني بركات. فسنتعامل مع السيد الغيطاني بنية حسنة ونقول له لم نرك أصلا في الميدان.

السيد الغيطاني في حاجة الى شاب من الميدان يقول له كما قال الجنرال ديغول لأحد الضباط الشباب وهو يسير الى جانبه باتجاه قوس النصر احتفالا بهزيمة النازية. حينها أخذ الحماس مأخذه من الضابط الشاب فتقدم خطوة أو خطوتين على الجنرال ديغول الذي أشار اليه قائلا: مسافة من فضلك. السيد الغيطاني في حاجة الى شاب من الميدان ليذكره بأي تصريح أو خطبة عصماء نثرها نثرا فصيحا أو عاميا في الميدان، حين كان الميدان مخاض الثورة وكاد يكون مقبرة الثائرين، ضد سيده وصديقة وحبيبه الرئيس مبارك وهي علاقة يعرفها كل مثقف عربي وليس كل مثقف مصري. السيد الغيطاني في حاجة الى شاب يذكره بالاتهامات التي وجهها له المثقف العربي حول رواية الرئيس صدام حسين وتاريخه مع أنظمة الاستبداد ابتداء من "حراس البوابة الشرقية" وانتهاء برئاسته لتحرير أخبار الأدب احدى مطبوعات النظام. السيد الغيطاني في حاجة الى شاب يذكره بلقاء الرئيس معمر القذافي حين ذهب جابر عصفور لتسلم جائزته. السيد الغيطاني الذي فجرت كتبه القديمة الثورة المصرية الجديدة في حاجة الى شاب يذكره بعناوين مقالاته ضد الفساد والظلم الذي عاشه قارئ الغيطاني منذ تولي السيد حسني مبارك وزوجته وأولاده وأعوانه حكم الشعب المصري. السيد الغيطاني في حاجة الى ثائر مصري شاب يقول له: مسافات لا مسافة واحدة من فضلك.

لا يهم دور الغيطاني وبعض أبناء جيله الذين ذكرهم في الثورة لأنهم ببساطة بلا دور. بحثت عن أي مقال للغيطاني حول الثورة ودعمها ولم أجد الا لقاءات صحافية بعد نجاح الثورة وسقوط النظام. أما كان يستطيع الرجل أن يذكّر أحدا من الذين انسحبوا من الندوة بمقالاته التي ساهمت في تأليب الثوار وبث الحماس فيهم. اذا استطاع أن يقدم لنا ذلك فإننا نمتلك الجرأة كي نعتذر له. الذين انسحبوا من الندوة وهم يستمعون لتصريحات الغيطاني كان ردهم مؤدبا ولطيفا به ورأوا أنه كاف ليعرف حجمه.

أعود لصنع الله ابراهيم الذي رفض جائزة الرواية العربية ورفض أن يتسلمها من مبارك نفسه. وهو ربما أحد أبناء جيل الغيطاني الذين قصدهم بالتأثير في شباب الثورة وكنا سنصدق الغيطاني ونحترمه لو أنه اعترف فقط بأنه، أي الغيطاني، لم يكن أحدهم. مرة أخرى علينا عدم الصمت عن هؤلاء حتى يصمتوا.