كل المؤشرات تدل على أن لبنان ذاهب هرولة، بعد أن أصدرت المحكمة الدولية قرار اتهام بحق أربعة من كبار قادة حزب الله اللبناني، واحتمال أن تصدر قرارات جديدة مماثلة بحق لبنانيين آخرين وسوريين وفلسطينيين، إلى حرب أهلية جديدة، فالأجواء في هذا البلد، الذي كلما تخلص من نكبة وتعافى حلت به نكبة جديدة، ازدادت تلبداً، والواضح أن الأمور تتجه إلى إشعال فتيل اقتتال طائفي بين السنة والشيعة هذه المرة.

Ad

منذ أن أنشأ سفير إيران الأسبق في دمشق محمد حسن أختري، الذي كان اقرب المقربين من الإمام الخميني، حزب الله اللبناني على أسس طائفية وأخضعه لسيطرة الاستخبارات الإيرانية كان واضحاً أن هناك حرباً أهلية جديدة، وأن مصادرة شيعة لبنان من قبل هذا الحزب وتحويلهم إلى رعايا إيرانيين، والاستمرار على مدى كل هذه السنوات بحقنهم طائفياً وتأليبهم على أشقائهم السنة ستؤدي إلى حرب شيعية-سنية ستنضم إليها طوائف أخرى في بلد بقي تجمعاً لطوائف متعددة، ولم يتحول إلى دولة بمواصفات الدولة الحقيقية.

والآن ولمعرفة ماذا يخبئ الغيب القريب للبنان فإنه من الضروري العودة إلى أسباب استهداف رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ولعل أول هذه الأسباب هو أنه، خلافاً لما كانت تريده سورية وتريده إيران وبالتالي حزب الله بقيادة حسن نصر الله، استطاع توحيد الطائفة السنية اللبنانية، بعد أن استهدفها نظام حافظ الأسد وعمل فيها تمزيقاً، ولجأ إلى تغييب معظم رموزها وقياداتها إما بالاغتيال كما حدث مع المفتي حسن خالد ونائبه صبحي الصالح أو بالتشريد، كما حدث مع صائب سلام وإبراهيم قليلات وكمال شاتيلا قبل أن يعود ويقرأ صورة «التوبة» ألف مرة.

لقد أصبح وجود رفيق الحريري، وخاصة بعد أن استعاد ألق الطائفة السنية السابق إليها، وبعد أن استعاد تفاهمها التاريخي مع الطائفة المارونية، حيث كانت هاتان الطائفتان مركز قرار القضايا اللبنانية الرئيسية، يتعارض مع الوجود العسكري السوري في لبنان ويتعارض مع توجهات حزب الله ومع المشروع الإقليمي الذي تقوده إيران في هذه المنطقة، ولذلك فقد كان لابد من التخلص منه ولابد من القيام بسلسلة الاغتيالات التي شملت عدداً كبيراً من القيادات السياسية ومن الزعامات الشعبية ومن الكتاب والصحافيين، وبالتالي إخضاع هذا البلد لأجواء من الرعب لتمرير هذا المشروع الذي أصبحت دوافعه واضحة ومعروفة إلا لمن لا يريد أن يعرف.

لن يسلَّم حسن نصر الله أعضاء حزبه القياديين، الذين صدر بحقهم قرار الاتهام الذي أصدرته المحكمة الدولية، كما أعلن مساء أمس الأول، وستبادر سورية هروباً من أزمتها الداخلية الطاحنة إلى الدفع باتجاه إشعال فتيل حرب طائفية جديدة في لبنان، وستندفع إيران بدورها في هذا الاتجاه لتعميم حالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة، وليكون الفرز في الشرق الأوسط طائفياً، والدليل هو التصريحات الأخيرة التي أدلى بها علي خامنئي، والتي قال فيها: «إن ما يجري في البحرين هو النضال الحقيقي، وإن ما يجري في سورية هو انحراف!».