إن واحدة من أعظم تجارب السياسة العامة في مجال الطاقة الخضراء تقترب من نهاية مريرة في ألمانيا، مع دروس بالغة الأهمية لصناع السياسات في أماكن أخرى من العالم.
ذات يوم كانت ألمانيا تتفاخر بأنها «بطل العالم للألواح الضوئية»، وكانت تتبرع بإعانات دعم سخية- تجاوزت في مجموعة 130 مليار دولار، وفقاً لبحث من جامعة الرور في ألمانيا- للمواطنين لتشجيعهم على الاستثمار في الطاقة الشمسية، ولكن الحكومة الألمانية الآن تتعهد بخفض هذه الإعانات في تاريخ أقرب مما كان مقرراً من قبل، وإلغاء الدعم تدريجياً على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. تُرى ما الخطأ الذي حدث؟هناك مشكلة أساسية تتعلق بدعم تكنولوجيا خضراء تفتقر إلى الكفاءة: فهي لن تصبح متاحة بأسعار معقولة إلا إذا تم هذا بكميات ضئيلة، فباستخدام إعانات الدعم الحكومية السخية، أنشأ الألمان 7.5 غيغاواط من قدرة الطاقة الضوئية في العام الماضي، أو أكثر من ضعف ما اعتبرته الحكومة «مقبولا»، وتشير التقديرات إلى أن هذه الزيادة وحدها من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع يعادل 260 دولاراً في فاتورة الطاقة السنوية للمستهلك المتوسط.وطبقاً لمجلة دير شبيغل فإن حتى هيئة العاملين في إدارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يصفون هذه السياسة الآن على أنها حفرة ضخمة تبتلع المال. حتى إن فيليب روسلر، وزير الاقتصاد والتكنولوجيا في ألمانيا وصف إعانات الدعم المتصاعدة في مجال الطاقة الشمسية بأنها «تهديد للاقتصاد».الواقع أن حماس ألمانيا لتوليد الطاقة الشمسية أمر مفهوم، فبوسعنا أن نغطي كل احتياجات العالم من الطاقة لمدة عام كامل إذا تمكنا من احتجاز ما تطلقه الشمس من طاقة في غضون ساعة واحدة فقط، وحتى في ظل افتقار تكنولوجيا الطاقة الضوئية الحالية إلى الكفاءة، بوسعنا أن نغطي طلب العالم بالكامل على الطاقة باستخدام ألواح شمسية تغطي 250 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل نحو 2.6في المئة من الصحراء الكبرى. ولكن من المؤسف أنا ألمانيا- مثلها كمثل أغلب بلدان العالم- ليست مشمسة مثل الصحراء الكبرى، وفي حين أن ضوء الشمس مجاني، فإن الألواح الشمسية وتركيباتها ليست مجانية، بل إن تكاليف استخدام الطاقة الشمسية تعادل على الأقل أربعة أمثال تكاليف الطاقة المنتجة بحرق الوقود الأحفوري، وهي تتسم أيضاً بعيب واضح، وهي أنها لا تعمل في الليل، وهو الوقت حيث يستهلك قدر كبير من الكهرباء.وعلى حد تعبير الجمعية الألمانية لعلماء الفيزياء: «إن الطاقة الشمسية من غير الممكن أن تحل محل أي محطات إضافية لتوليد الطاقة». وباختصار، في أيام الشتاء الملبدة بالغيوم، لا تستطيع أنظمة توليد الطاقة الشمسية التي يبلغ عددها 1.1 مليون نظام في ألمانيا لا تستطيع توليد أي طاقة كهربائية على الإطلاق، وبالتالي فإن البلاد تضطر إلى استيراد كميات كبيرة من الطاقة من محطات الطاقة النووية في فرنسا وجمهورية التشيك. وعندما لم تشرق الشمس تقريباً في الشتاء الماضي، كان من الضروري الاستعانة بخطة طوارئ احتياطية لتشغيل إحدى المحطات النمساوية التي تعمل بحرق النفط لسد الفجوة.وعلى الرغم من الاستثمارات الهائلة فإن الطاقة الشمسية في واقع الأمر لا تغطي سوى 0.3 في المئة تقريباً من إجمالي احتياجات الطاقة في ألمانيا. وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الألمان الآن يدفعون ثاني أعلى سعر للطاقة الكهربائية في دول العالم المتقدم (بعد الدنمارك، التي تهدف إلى التحول إلى «بطل العالم في توليد طاقة الرياح»). ويدفع الألمان ثلاثة أمثال ما يدفعه الأميركيون ثمناً للطاقة الكهربائية.فضلاً عن ذلك فإن هذه الاستثمارات الضخمة لا تساهم بأي قدر يُذكَر في التصدي لظاهرة الانحباس الحراري العالمي، وحتى في ظل الافتراضات السخية غير الواقعية، فإن التأثير الصافي المتواضع يتلخص في إسهام الطاقة الشمسية في خفض الانبعاثات الألمانية من غاز ثاني أكسيد الكربون بما يقرب من ثمانية ملايين طن متري - أو نحو 1 في المئة - على مدى السنوات العشرين المقبلة. وعندما نحتسب هذه التأثيرات في إطار نموذج مناخي قياسي، فإن النتيجة تتلخص في انخفاض متوسط درجات الحرارية بمقدار 0.00005 من الدرجة المئوية (واحد على عشرين ألف من الدرجة المئوية). أو بتعبير آخر: بحلول نهاية القرن، سوف تكون استثمارات ألمانيا التي بلغت 130 مليار دولار في هيئة إعانات دعم للألواح الشمسية قد أسفرت عن تأجيل ارتفاع درجات الحرارة بما لا يزيد على 23 ساعة.باستخدام الطاقة الشمسية، تدفع ألمانيا نحو 1000 دولار عن كل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تنجح في خفضها، والسعر الحالي لثاني أكسيد الكربون في أوروبا 8 دولارات، وكان بوسع ألمانيا أن تخفض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما يعادل 131 مرة المقدار الحالي بنفس السعر، ولكن الألمان يهدرون بدلاً من ذلك أكثر من 99 سنتاً عن كل يورو ينفقونه على الألواح الشمسية.وهذا ليس أسوأ ما في الأمر: فلأن ألمانيا جزء من نظام مقايضة الانبعاثات للاتحاد الأوروبي، فإن التأثير الفعلي للألواح الشمسية الإضافية في ألمانيا لا تؤدي إلى أي خفض للانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، لأن إجمالي الانبعاثات مغطى بالفعل. وبدلاً من هذا فإن الألمان يسمحون ببساطة لأجزاء أخرى من الاتحاد الأوروبي بإطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون، أي أن الألواح الشمسية الألمانية لم تسفر إلا عن جعل استخدام الفحم في البرتغال واليونان أقل تكلفة.ويزعم المدافعون عن إعانات الطاقة الشمسية في ألمانيا أيضاً أنها ساعدت في خلق «وظائف خضراء»، ولكن كل وظيفة تمكنت سياسات الطاقة الخضراء من خلقها تكلف في المتوسط 175 ألف دولار- وهو مبلغ يتجاوز كثيراً تكاليف خلق الوظائف في قطاعات أخرى من الاقتصاد، مثل البنية الأساسية أو الرعاية الصحية. هذا فضلاً عن العديد من «الوظائف الخضراء» التي يتم تصديرها إلى الصين، وهذا يعني أن الأوروبيين يدعمون وظائف صينية، ومن دون خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في نهاية المطاف.لقد فشلت تجربة ألمانيا في دعم تكنولوجيا الطاقة الشمسية غير الفعّالة، ويتعين على الحكومات أن تركز بدلاً من هذا على زيادة الإنفاق على البحث والتطوير أولاً من أجل جعل تكنولوجيا الطاقة الخضراء أرخص وأكثر تنافسية. وبعد هذا يصبح في الإمكان زيادة الإنتاج.ولكن بدلاً من هذا، ينفق الألمان نحو 130 مليار دولار على سياسة تغير المناخ التي لن تؤثر بأي قدر يُذكَر في الانحباس الحراري العالمي، وهم يدعمون الوظائف في الصين ويتحلون التكاليف المترتبة على اعتماد دول أوروبية أخرى على مصادر الطاقة غير النظيفة. وبهذا يفرضون عبئاً غير ضروري على اقتصادهم. وكما قد يشهد العديد من المسؤولين الألمان، فإن الحكومات في أماكن أخرى لا تملك ترف تكرار نفس الخطأ.* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
ألمانيا وحلم اليقظة تحت الشمس المشرقة
22-02-2012