لم يتراءَ لي يوما أني سأكون بحاجة إلى كتابة مثل هذا المقال في وطني، ولكن هذه هي دوما حال المطمئنين الغافلين، الذين لا يتخيلون أن صفو الحياة من الممكن أن يكدره شيء، ولكن سبحان من بيده تغير الأحوال من حال إلى حال، وسامحوني فسوف أستخدم لغة قاسية بعض الشيء، غير ما ألفتموه مني في السابق، فلعلنا من خلالها نستفيق، لأن الحال ما عادت تحتمل العبارات المنمقة ولا اللغة التخديرية المصبوغة بالمكياج.

Ad

يا سادتي، إن الكويت تتهاوى، وليس هذا تشاؤما، معاذ الله، بل إنها حقا في خطر؛ خطر حقيقي داهم، مبني على مشاهدات وتقارير حقيقية، لا على تهويل نابع من تحليلات وتخمينات لا أساس لها أو دليل، والخطر هذه المرة خطر داخلي، يتحرك كجراثيم مسعورة لا تتوقف عن نخر أساسات هذا البلد الطيب المسالم طوال تاريخه، والذي لا يملك إلا أن يكون كذلك.

كل دولة في العالم تقوم على ثلاث: نظام وشعب وبنية تحتية، والنظام في الكويت، بكل أطرافه من حكومة وبرلمان وغيرها، قد صار غارقا في صراعاته السياسية طوال الوقت، فلا ينام إلا عليها ولا يستفيق إلا لأجلها، وما عاد يلتفت لشيء غيرها، وما عاد يثير اهتمامه تناول فكرة أن الوضع الصحي متردٍ جدا، أو أن النظام التعليمي قد صار مزريا جدا، أو أن المؤسسات الحكومية ترهلت بل فسدت حتى النخاع، أو أن واقع المرور قد أضحى في كارثة كبرى معقدة، أو أن مرافق البلاد قد أكل عليها الدهر وشرب فتهالكت، أو غيرها من المشاكل الكثيرة الكثيفة المتشعبة، وكثير من الشعب، ولن أقول أغلبه، صار أسيرا لمتابعة هذا الصراع الطويل المتطاول كليالي الشتاء الموحشة، ناهيك عن سرعة انجرافه في الشقاقات الطائفية والفئوية، وانغماسه في وحل صناعة وتناقل الإشاعات، وأما بنية البلاد التحتية فحدّث ولا حرج عن ترديها وسوئها!

الوضع خطير، وكل النداءات التي وجهناها للقيادة السياسية وللبرلمان خلال الفترة الماضية ذهبت أدراج الرياح، وما عادت حتى تجد من يتجاوب معها ولو بكلام إنشائي ندرك أنه لن يتحقق، ولكن على الأقل كما كانوا يفعلون في السابق لإسكات أصواتنا، اليوم صار التجاهل وعدم الاكتراث تماما هو لغتهم الوحيدة!

لهذا فلن أضيع وقتكم ووقتي بتوجيه نداءات جديدة في هذا الاتجاه، ولن أفكر حتى بتوجيه الملامة لأي طرف كان، بالرغم من أنهم جميعا يستحقون الملامة التي ركبتهم بلا استثناء من "رأسهم حتى ساسهم"!

ندائي اليوم موجه إلى أهلي أبناء وطني، الراكبين جميعا على ظهر هذه السفينة السائرة في بحر متلاطم الأمواج، والذين لو غرقت بهم سفينتهم، لا سمح الله، لذهبوا جميعا، بدوا وحضرا، سنة وشيعة، مسلمين وغيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ندائي سأوجهه إلى كل مسؤول منهم، ولا أعني بذلك تلك المسؤولية السياسية أو الناتجة عن وجود الشخص في موقع القرار العالي، وإنما أعنيها من زاوية أخرى، هي أن الكل منا مسؤول في هذا الوطن، كبيرا كان أم صغيرا، وقد قالها النبي عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". نعم، الكل منا مسؤول، وإن كانت أحجام المسؤوليات تتفاوت من شخص إلى آخر؛ نداء لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة الكريمة التي أعطتنا وأعطتنا ولا تزال تعطينا، لننقذ بلدنا من الانهيار! الكويت يا أهلي بحاجة إلى فزعة، وهناك الكثير بأيدينا لنعمله كأفراد، كل في دائرة قدرته وتأثيره، فالقيادي والإداري والموظف، كل في إدارته يمكنه إصلاح ما يمكن إصلاحه، خصوصا تلك التي ليست بحاجة إلى القرارات العليا، والعسكري والمعلم والطبيب والتقني والعامل وغيرهم، وصولا إلى الطالب في الجامعة والمدرسة، وحتى ربة البيت في بيتها؛ كلنا يمكن أن نقدم شيئا ولو يسيرا لأجل هذا البلد حتى لا يضيع من أيدينا.

يا أهلي، ليس هذا كلاما إنشائيا والله، إنما هي صرخة نابعة من حرقة على هذا الوطن، ولست كذلك من خلالها أحاول تغيير الناس كافة، فهذا مستحيل، ولكنها دعوة لكل من يقول إنه إنسان وطني ويحب وطنه حقا، أن يبدأ بالعلاج بنفسه، وألا يكسر عزيمته من تخاذلوا وتكاسلوا، وأمضوا الساعات الطويلة في مجرد الحديث عن الفساد والمفسدين وتناقل أخبارهم بلا فائدة حقيقية.

على كل من يدعي الانتماء إلى هذا الوطن حقا أن يبدأ بنفسه فيلتزم بالقوانين ويحافظ على مسؤوليات عمله، وأن يجتهد ويبذل جهدا أكبر، وأن يصلح ما يمكنه إصلاحه، وأن يحض غيره على فعل ذلك.

أرجوكم يا أبناء وطني... أرجوكم يا أهلي، لنتكاتف ونعمل شيئا، لنطلقها حملة حقيقية عملية على أرض الواقع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالكويت اليوم تحتاج إلى فزعة!