لا أظن أن مهمة الشعراء تنحصر في قول الشعر، فهذه صنعة، كأي صنعة، لها أسرارها ويمكن دراستها وإتقان قوالبها وممارستها، والتفاخر بالانتساب إلى عالمها، لكن شعر الشعر المصفى والباقي بين الناس على مرّ العصور، هو ذاك الذي يصوغ الحقيقة الإنسانية البسيطة في قولٍ يجمع بين الصدق الفني الساحر والمبدع وبين الموسيقى والجمال والفكر والتأمل. قول ينطلق من حياةٍ إنسانية وتجربةٍ وفهمٍ وموقفٍ فردي خاص، ليتوزع بصدقه وحقيقته على البشرية بأسرها، وبهذا يكون الشعر هو لسان الحياة الأجمل والأبقى.
يمكن لأي أمة من الأمم أن تخرّج من جامعاتها ومعاهدها أطباء ومهندسين وصناعاً مهرة ومتميزين في شتى حقول المعرفة الإنسانية، وهذا شيء رائع ومهم ومطلوب وضروري للحياة، لكن أعرق جامعات الدنيا تقف عاجزة عن صناعة مفكّر أو شاعر أو روائي أو فنان تشكيلي أو قصاص أو مسرحي أو موسيقي أو سينمائي، فهذا شيء أعقد بكثير من أن تتمكن جهةٌ من الإتيان به، وأصعب بكثير من أن تتمكن من إنجازه، لأنه لا يتوقف على مناهج ودراسات بعينها، بل يتخلق في رحم تجربة إنسان بعينه: ميلاده وطفولته وعائلته وبيئته وقراءاته وملاحظاته ووجعه وتوجعه وموهبته في تخزين هذا كله، ومن ثم استرجاعه متماسكاً بطريقة صحيحة، والتفكير في كتابته، وإيجاد الوسيط الفني المبدع لقوله. لهذا تُفاخر الأمم بأبنائها النوابغ، ويخلّد هؤلاء الأبناء أسماء أممهم، وكم تبدو الدلالة كبيرة، في أن يتمكن إنسان فرد ضعيف من تخليد اسم أمة! إن ميلاد شاعر أو فنان في أي مجتمع من المجتمعات، هو ميلاد لحفظ تاريخ هذه الأمة وحفظ خصوصيتها وسط العموم الإنساني، لذا تبدو الحاجة ملحة إلى تبني المواهب الشابة، ورعايتها، وإدامة الوصل بها حتى تؤتي ثمارها. فإذا كان تكريم المبدعين الشباب في بداية مشوارهم أمرا جميلا وضروريا، فإنه لا يستقيم إلا برعاية دائمة لتلك المواهب، والوقوف إلى جانبها، وتوجيهها التوجيه السليم، ووصلها بالعالم المحيط، المحلي والعربي والعالمي، وهذا كله يتطلب نكراناً للذات ومجهوداً واعياً، وقبل هذا وذاك، يتطلب مبدعاً أتقن حرفته وبالتالي يغدو مؤهلا لنقل أسرارها لمن يستحق. أسعدني خبر تمكّن الشاعر الكويتي الشاب حمود الشايجي، من تطبيق برنامج ثقافي بالتعاون مع شركة "أبل" العالمية يعدّ الأول من نوعه عربياً. وحمود شاعر شاب، ينطوي على روح مسكونة بهاجس الإبداع والشعر والتجديد والوصل الإنساني، وبالرغم من ابتعاده عن الساحة المحلية، بسبب طبيعة عمله السياسي، فإنه يحرص على البقاء بين أحداثها الثقافية، والتواصل مع زملائه من الأدباء والكتاب الشباب. حمود الشايجي، في تصريح صحافي لـ"الجريدة" في عددها الصادر أمس السبت، قال إن "الكتاب المعنون بـ"عشق"، والذي يعدّ الأول من نوعه عربياً، كتاب تفاعلي يستطيع القارئ إبداء رأيه في النصوص التي يعرضها مباشرة... والتطبيق لا يكتفي بعرض نصوص الشاعر، بل يعرض مجموعة من أجمل المقطوعات الموسيقية والأغاني التي علقت في الذاكرة الجمعية الإنسانية". الكويت، التي كانت على الدوام حاضرة في الذاكرة العربية الثقافية والفنية، هي في أمسّ الحاجة اليوم، في عصر ثورة المعلومات والاتصال، إلى عناية خاصة من المؤسسات الرسمية والأهلية بأبنائها من الشباب المبدعين، وهي أيضا بحاجة إلى جهد مبدعيها الرواد، لتقديم مشورتهم وتوجيهاتهم ووصلها بجيل الشباب المبدع، فميلاد شاعر كويتي فرح للأمة، وكذلك وجود روائي أو قاص أو فنان تشكيلي أو مسرحي أو موسيقي. كتبت وسأبقى أكتب لمصلحة الاهتمام بالشباب، فهم ذخيرة الوطن، وبهم نفاخر بين الأمم، ومني تحية إلى الشاعر حمود الشايجي، وإلى مزيد من النجاح دائماً.
توابل
حمود الشايجي وصناعة الثقافة!
21-02-2012