منذ أن اتفق العلماء على شكل وتفاصيل خريطة العالم، وبنما تعتبر العقبة الكبرى والمعضلة العظمى للبحارة والتجار، فهذا الشريط البري الذي لا يتعدى سبعة كيلومترات يمكن أن يختصر مسافة 12000 كيلو متر وأكثر من ثلاثة أسابيع من الإبحار يتخللها العواصف الجوية والمخاطر البحرية والتأخير في التعاملات التجارية.

Ad

بطريقة ذكية لا تخلو من الخبث والاستغلال استطاعت أميركا السيطرة على بنما، وقامت مباشرة بشق القناة التي تربط المحيطين الأطلسي والهادي، فقد كانت طريقة مبتكرة أثارت إعجاب العالم، استخدمت فيها أطنانا من الحديد الصلب أدت إلى أزمة حقيقية في سوق الحديد في تلك الفترة.  لقد كلفت أكثر من 380 مليون دولار وما يزيد على 20 ألف قتيل ليس بينهم أميركيون، وأصبحت رحلة السفينة من نيويورك إلى سان فرانسيسكو لا تتجاوز الأسبوع وعبورها للقناة لا يتعدى ست ساعات، وأخيرا ارتفع عدد السفن المبحرة من 100 إلى 14000.

المبادرة كانت تلك كلمة السر في هذا الإبداع الصناعي غير المسبوق، والذي يعتبر من أضخم الإنجازات خلال المسيرة البشرية.

المبادرة لا تنتظر حتى تذهب في إجراءات الحكومة والمسؤولين الذين ألقى بهم الحظ والمصادفة على كرسي الرئاسة والوزارة والمسؤولية.

والتفكير في المبادرة يجب ألا يكون نمطيا، ومن خلال لجان ومستشارين وإجراءات حكومية، بل تحتاج قائدا صاحب رؤية وحماس يتبناها ويضعها على خط التنفيذ، فهذا رامسفيلد الكريه عندما أراد أن يغزو العراق كان قد وصل إلى قناعة 80% بالفكرة ولكن كان لديه فقط 20%من العدة اللازمة للحرب، يقول: قررت التقدم بلا تردد، وقد كان له ما أراد، احتاج فقط "مسافة السكة" ليحتل بغداد.

كم من المبادرات مرت بجانبنا دون تنفيذ أو حتى اهتمام، فإما نامت بالأدراج وإما أنها أخذت طريقها للدول المجاورة، هناك مبادرات كان يمكن أن تغير وجه الكويت لو أنها وجدت رجال دولة وقادة لديهم شيء من الفهم وقليل من الرؤية.  انظر إلى المبادرات كالمصافي النفطية ومحطات الطاقة والسكك الحديدية والمدن البحرية والجزر الصناعية والممرات المائية داخل المدينة الترفيهية والمطارات الحدودية والموانئ البحرية وغيرها كجامعة الشدادية... كلها تم تنفيذها على مسافات قريبة منا ولكن ليس أي منها في الكويت.

يبدو أننا ما زلنا في نشوة الفرح منذ أن أنشأنا أبراج الكويت، فتعزم فيها الحكومة ضيوفها وتضع صورها على الطوابع وكتب المدارس، ويغني في شرفاتها الفنانون، وتعرض في باحاتها الإعلانات التجارية، وتضعها القنوات الفضائية عندما يأتي الخبر عن الكويت أو تعرض درجة الحرارة.

وهذه بشرى، فقد عرف أهل الكويت معنى المبادرة منذ القرن الثامن عشر، حيث عبر عنها إبراهيم الصلال في مسلسل "الأقدار" عندما سأله مرعوب عن معنى بادرها، فرد عيه الصلال: "طل بويها وتثاوب".

wathnan@ Twitter