حتى الآن، ورغم كل هذه الفترة الطويلة منذ انفجار ثورة ميدان التحرير في مصر، فإنه لم يُعرف على وجه الدقة واليقين الجهة التي استهدفت أجهزة الأمن المصرية منذ الأيام الأولى لهذه الثورة، ولماذا غُيبت هذه الأجهزة، وجرى تشتيتها، وجرت ملاحقات لا تزال مستمرة لضباطها ومنتسبيها، وكأنها هي المسؤولة عن كل ما فعله النظام السابق وكل التجاوزات التي حصلت في هذا البلد، من عصر مينا إلى عصر عمرو إلى عصر جمال... إلى عصر السادات إلى عصر مبارك.

Ad

يوم الثلاثاء الماضي، هاجم نحو ثلاثة آلاف شاب، لم يعرف ما إذا كانوا من شباب الثورة أم من الزعران و«البلطجية» الذين استمرأوا غياب الأجهزة الأمنية ليعيثوا في مصر فساداً وليزرعوا الخوف والرعب حتى في شوارع وحارات القاهرة الرئيسية، قوات الشرطة التي تمركزت حول مبنى وزارة الداخلية، بعد سحبها من ميدان التحرير، فأصيب العشرات من أفرادها الذين اضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم، وبالطبع فإن ما حدث اعتبر «فتنة مدبرة من قبل فلول النظام السابق»، وبالطبع فإن هذا يصعب تصديقه، حتى إن قيل إن الهدف هو الرد على حكم محكمة القضاء بحل جميع المجالس المحلية على مستوى الجمهورية، التي شكلت في ظل حكم الرئيس المطاح به حسني مبارك!!

هناك قصص مروعة لما ترتب على تغييب الشرطة والأجهزة الأمنية من نهب وسلب و»تقشيط» و»بلطجة» واستباحة أموال الناس وأعراضهم، فالقاهرة التي كانت تبقى مستيقظة ترقص وتغني وتسهر حتى شروق الشمس، أصبحت تطفئ الأنوار مبكراً ويتجه أصحاب المطاعم والمرابع الليلية هرولة إلى منازلهم، خوفاً من إغارات الزعران والساقطين الذين أصبحوا يسيطرون على الشوارع الخلفية وعلى الحارات الجانبية، وحتى على الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدن المصرية الأخرى.

وإزاء كل هذا الانفلات الأمني وما يترتب عليه من استهداف للمواطنين المصريين وترويع لهم ولأطفالهم، فإن السؤال الذي بات يتردد في مصر وخارجها هو: ما الجهة المستفيدة من استمرار تغييب الأجهزة الأمنية حتى تكون هناك هذه الفوضى ويكون هناك كل هذا الرعب، وبالتالي كل هذا الانهيار الاقتصادي الذي إن هو تواصل فإن هذا البلد مقبل على كارثة محققة لا محالة...؟!

هناك من يقول إن هدف حل الشرطة هو سحب البساط من تحت أقدام ثورة ميدان التحرير، وتأليب الشعب المصري عليها، وتشويه صورتها، حتى يأتي ذلك اليوم، ويبدو أنه أصبح قريباً، الذي تنطق فيه الشوارع لتبلغ عن وجود أحد شبان هذه الثورة، ومن ركبوا موجتها من «البلطجية» و»الزعران» والمجرمين الذين استغلوا انهيار الأجهزة الأمنية ليحطموا أبواب السجون، وينتشروا في مصر كلها، ويزرعوا الرعب والذعر في كل «كفرٍ» و»بندرٍ»، وكل شارع، وكل طريق خارجي وداخلي.

إن الهدف من ترك البلاد تغرق في الفوضى والرعب، كما يقول البعض، هو أن تصبح «الثورة» شيطاناً يتبرأ منه المصريون بمعظمهم، وأن تجري صياغة مصر مجدداً، لا وفقاً لما كان يراود ثوار ميدان التحرير، ولا وفقاً لمواصفات عهد مبارك، وإنما وفقاً لمواصفات جديدة آخذة بالتبلور تقف وراءها مراكز قوى باتت واضحة ومعروفة... وفي الحقيقة فإن مصر إزاء هذا كله، بدأت «تقرف» ثورتها، وبدأت تتحسر على العهد البائد الذي كان يوفر الأمن والاستقرار على الأقل.