ثار لغط كثير حول تفسير المحكمة الدستورية بشأن استجواب النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، فهناك من رأى التفسير حسما بعدم دستورية الاستجواب، بينما رأى آخرون أن التفسير غير ملزم، ولم ينص صراحة على ذلك، وكالعادة حاول الدستوريون الجدد حسم الخلاف بدون نقاش أصلا عبر تخوين الطرف القائل بعدم دستورية الاستجواب.

Ad

تسلل هذا الفكر التكفيري السياسي وللأسف إلى بعض من يسمون أنفسهم بالوطنيين، حيث بات في اعتقادهم أن كل من يؤيد رفع الاستجواب من جدول الأعمال هو من "القبيضة"، هكذا وبكل بساطة وسذاجة، مع أن نظرة متأنية وموضوعية للموضوع تكشف حجم التضليل الإعلامي ومحاولة البعض خداع الناس، وأخذهم بـ"الصيحة"، وهنا أتحدث عما تناولته وسائل الإعلام من تسريبات عن كلمة النائب سيد عدنان عبدالصمد الذي أثبت بالأدلة والشواهد السابقة أن تفسير المحكمة الدستورسة ملزم ولا نقاش فيه.

وأول هذه الشواهد الجدل الشهير حول معركة رئاسة المجلس بين السعدون والخرافي عام 96 بعدما حصل السعدون على 30 صوتا والخرافي على 29، وتم الاحتكام للمحكمة الدستورية لحسم الخلاف حول الأغلبية المطلقة، حيث يتوهم الكثيرون أن السعدون حصل على حكم بالرئاسة بينما اقتصر دور المحكمة على تفسير الأغلبية المطلقة استنادا إلى نصوص في الدستور وفي اللائحة الداخلية دون الحكم صراحة للسعدون. الشاهد الثاني هو رفض الوزير الأسبق الدكتور عبدالرحمن العوضي تزويد النائب الأسبق خليفة الجري "رحمه الله" بأسماء الذين تم ابتعاثهم للعلاج بالخارج بحجة الحفاظ على الخصوصية، فتم الاحتكام للمحكمة الدستورية التي أجابت بتفسير لموضوع الخصوصية وقدسيتها، وفهم المجلس أن التفسير حسم لمصلحة الوزير، وطوي الأمر دون حكم صريح بعدم أحقية النائب الجري بطلب الأسماء.

والشاهد الثالث هو طلب الحكومة قبل فترة من المحكمة الدستورية تفسيرا عن الحصانة النيابية، فاستنفر العديد من النواب ومنهم النائب الرومي الذي توسط لدى الحكومة وحثها على سحب الطلب، فإذا كان مجرد تفسير المواد ليس حكما وغير ملزم فلماذا استنفر النواب وحاولوا بشتى الطرق سحب الطلب؟

ثم إن المحكمة ما كانت لتنص صراحة في عدم دستورية الاستجواب المنظور لأن الطلب أساسا كان طلبا لتفسير مادة، وليس طلبا لإصدار حكم بحالة محددة فقط، وإذا كانت تفسيرات المحكمة للمواد غير ملزمة فلماذا وجدت المحكمة الدستورية أصلا إن كانت تلك التفسيرات لا تحسم جدلا ولا خلافا؟ والأدهى والأمر أن من يدعي حماية الدستور ومعارضتهم لوأد استجواب "كما يسمونه" ولو بالاحتكام لتفسير من المحكمة الدستورية هم الذين وأدوا استجواب النائب سيد حسين القلاف لوزير العدل الأسبق أحمد باقر في مجلس 99 دون الاستناد إلى تفسير ولا إلى حكم من المحكمة الدستورية، وذلك عبر إحالته إلى اللجنة التشريعية التي قررت عدم دستوريته، وكان من الموافقين على الإحالة حامي حمى الدستور النائب وليد الطبطبائي بينما كان رئيس اللجنة آنذاك النائب عبدالله الرومي إضافة إلى عضوية النائبين السابقين عبدالله النيباري ومشاري العصيمي، وكلهم وافقوا على عدم دستورية الاستجواب! قد يقتنع البعض بهذه الحجج وقد لا يقتنع البعض الآخر بها، لكنها بالنهاية أدلة لوجهة نظر محترمة يجب أن تقارع بحجج وأدلة مضادة لا بالتخوين الساذج. المشكلة أن البعض يحكم على هذه القضية بالنظر إلى شخوص أطراف القضية لا إلى الموضوع نفسه متناسين الآية الشهيرة "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". فهذا الشنآن "أي البغض" هو الذي أوقع البعض في تناقضات صارخة كما بينا في موضوع استجواب السيد القلاف للوزير باقر، وهذا الشنآن والفجور في الخصومة هو الذي استباح أداة دستورية راقية كالاستجواب وفرغها من محتواها عبر استخدامها لتصفية الحسابات استنادا للعقلية الميكيافيلية، ولذلك جاء في حيثيات تفسير المحكمة أن استجواب الرئيس في شؤون اختصاصات الوزارات سيؤدي إلى "سيل جارف" من الاستجوابات لرئيس الوزراء.

فإن كان هناك من لا يعجبه هذا التفسير فإن من يجب أن يلام على الوصول إليه هم الذين أساؤوا لهذه الأداة الراقية واستباحوا حرمتها لا من لجأ إلى المحكمة الدستورية لطلب التفسير، وقد بات واضحا– خاصة بعد هروب البعض من التصويت على اقتراح إيفاد نائبين لفحص كشوف البنك المركزي- أن المطلوب عند البعض هو رأس الناطور لا العنب والحقيقة ومكافحة الفساد وحماية المال العام والدفاع عن الدستور.