في الماضي السحيق كانت الحيوانات المفترسة في الغابة تواجهك وقد تفترسك وتجعلك تشعر أنك مطارد باستمرار، ولكن اليوم التاجر يفترسك وهو يبتسم ويبيع لك سمه وهو يخدعك، فأصبح الإنسان أخبث من أي حيوان مفترس بل أصبح عدوا للإنسانية.

Ad

قد تنفق الأسماك من فرط التسمم، وتفسد اللحوم من الغش، ولربما نشرب مياهاً ملوثة طوال الوقت، لكن المحزن في كل هذه الأمور أنها من فعل الإنسان نفسه بأخيه الإنسان، فقد أدى طمع البعض إلى بيع ضميره كما تباع المحارم الورقية.

 فمن أجل ثروة تؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه باع ضميره؛ لأن ثقافة المجتمع اليوم أصبحت تحترم السارق وتقدره، بل تدعوه إلى جميع المناسبات المهمة، وتلقي خطباً تمجد سرقاته! أقصد الأعمال غير المشروعة.

مع التطور وخروج الإنسان من الغابة، استطاع أن يحمي نفسه من الحيوانات البرية، ولكن أصبحنا في غابة أكثر تعقيدا، فهي أصعب من أن يهاجمك حيوان جائع، إذ يجب أن تبتكر أنت بدورك سبل الحماية والتملص منه.

 والمفترسون اليوم هم بعض كبار التجار وبعض الساسة الذين غلفوا أعمالهم المشبوهة بمنصب سياسي أو اقتصادي رفيع، فأصبحوا يدسون السم في هوائنا ومائنا وطعامنا، ونحن مستهلكون لا نملك سوى أن نشتري بضاعتهم المغشوشة، ولا نملك سوى أن ننتظر حدوث المصيبة، وعندما لا تحدث نحمد الله بأننا لم نصب بالتسمم، ونطمئن بأننا لم نمت.

 قد يصاب البعض بالسرطان من هذه المواد المسرطنة في بعض المنتجات، إذ انتشرت أمراض غريبة ليس لها حل، وأغلب ذلك يعود إلى الغش في سبيل الربح لأصحاب المال، متناسين أن الضرر قد يمس أبناءهم وأحفادهم، ولكن لم يعد يهمهم سوى الكسب بأسرع وقت ودون أي اعتبار للضمير الذي نام منذ أمد في ثلاجة النسيان.

في الماضي السحيق كانت الحيوانات المفترسة في الغابة تواجهك وقد تفترسك وتجعلك تشعر أنك مطارد باستمرار، ولكن اليوم التاجر يفترسك وهو يبتسم ويبيع لك سمه وهو يخدعك، فأصبح الإنسان أخبث من أي حيوان مفترس بل أصبح عدوا للإنسانية.

قفلة:

قد لا يظلم الإنسان شيئا كما يظلم الإنسانية حين يطمع ويخدع ويدس السم بالعسل، ولم يمر على التاريخ ما هو أبشع من طمع الإنسان، هذا الطمع لطالما كان السبب في الحروب، وما يحدث الآن من ثورات ما هو سوى صرخة احتجاج لظلم طال انتظاره، ولكن النتيجة غالبا ما تكون ولادة طماع جديد.

ربوا الأجيال الحالية والقادمة على حب الوطن بدون كوادر بدون مقابل، فقط من أجل الوطن الذي رعانا واحتضننا وقدم لنا الكثير الكثير، فهل لنا أن نرد الجميل بدل أن نأخذ ونطمع أسوة بكبار السراق؟!