ترجع ديون اليونان إلى طائفة واسعة ومألوفة، وربما تحولت الى ظاهرة في دول الاتحاد الأوروبي الذي اعتمد اليورو عملة موحدة له، وكان من التداعيات الجلية للمخاوف الناجمة عن أزمة الديون في اليونان– وقبلها في أيرلندا وإيطاليا والبرتغال- أن النفط، الذي ظل عقودا طويلة خلت المحرك الأقوى لاقتصاد العالم، تحول خلال فترة قصيرة جدا إلى ما وصفه بعض الخبراء بأداة ربما تعرقل النمو العالمي وتخلط الأوراق في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء.
ويرجع ذلك في إطار محدد الى أزمة الديون اليونانية التي ابرزت هشاشة الكتلة الاقتصادية الأوروبية، واطلقت الاحتمالات التي كانت حتى زمن قريب بعيدة عن التصور, ومن بينها امكانية تعرض الاقتصاد الاميركي لأزمة على غرار ما لحق باليونان من تداعيات.ويرى بعض خبراء الاقتصاد أوجه تشابه بين أزمة الديون اليونانية وتردي الوضع الاقتصادي الأميركي، على الرغم من اقرارهم بوجود حصانة غير مؤكدة بالنسبة الى الولايات المتحدة في المدى المنظور. وكان نائب رئيس البنك المركزي السويسري جان بيير دانيتي حذر في وقت سابق من تداعيات تراجع سعر صرف الدولار نتيجة الشكوك حول قوة الوضع الاقتصادي الأميركي في أعقاب مخاوف من تفاقم الديون العامة في ذلك البلد.السؤال المثير للجدل في هذا السياق يتمثل في التأثير المحتمل لأزمة ديون اليونان المتفاقمة على اسعار النفط التي تراجعت في الآونة الأخيرة الى معدلات مثيرة للقلق من حيث انعكاساتها على اقتصاد البلدان الغنية بالنفط، والتي يعتمد معظمها على عوائده في تحريك عجلة النمو وخطط المستقبل. وما يهمنا في هذه العجالة هو الوضع الاقتصادي في الكويت على وجه التحديد والاستراتيجية المحتملة لمواجهة اي انعكاسات قد تفضي اليها اضطرابات الاسواق الاميركية والاوروبية والآسيوية.وبحكم خبرتي في مجال النفط فإنني أقترح قيام القطاع النفطي الكويتي بتشكيل وحدة متخصصة لبيع وشراء النفط في عمليات تتصف بالمخاطر العالية لأنها قد تنطوي بالتالي على ربحية مجزية.تقلبات اسعار النفط ظاهرة طبيعية –وربما صحية– ولذلك تعقد منظمة اوبك اجتماعات دورية لدراستها ومتابعتها واحتواء اي مضاعفات غير محمودة العواقب بالنسبة الى نمو الاقتصاد العالمي ومصالح الدول الاعضاء في آن معاً، ومعروف أن ثمة معادلة بالغة الحساسية تربط بين اسعار النفط وبرامج التوسع في ميادين التصنيع والتصدير.وبالعودة الى أزمة الديون اليونانية اقول ان تلك الدولة الاوروبية لن تنهض من كبوتها عبر قروض مكبلة من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية، وانما من خلال حزمة من الاصلاحات الجراحية اذا صح التعبير تشمل التركيز على برامج التقشف وتشجيع الاستثمار واقناع المستثمرين في القطاع الخاص بالمشاركة في تحمل اعباء البلاد وافساح المجال امام الحكومة للمضي في استراتيجية الانقاذ المرجوة، وتأكيد استقلالية القرار والسيادة النقدية التي قد تعيد الى أثينا الأمل بالخروج من عنق الزجاجة.* خبير نفطي
مقالات
وجهة نظر:الديون اليونانية وتأثيرها على أسعار النفط
28-06-2011