ديمقراطية الشعب... وديمقراطية الحاكم
تعلمنا في مراحل الدراسة المبكرة أن الديمقراطية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وتعلمنا أن بلاداً لها صفة الديمقراطية في الحُكم، وأن بلادا أخرى على النقيض تُعرف بالدكتاتورية. وبعد أن أشبعنا النظام التعليمي في بلادنا بهذا التعريف دون تطبيقه بمعناه الذي تلقناه، وكذلك مضى بنا الزمن لنكبر ونتخرج من صفوف الدراسة وأصبحنا في وضع العطاء ونحن نمعن الرؤية في الواقع الذي نعيشه، اتضحت لنا الصورة بشموليتها لنقف على حقيقة أن الكثير مما طفحت به كتبنا الدراسية كان للاستهلاك والتغطية على تجاوزات وفساد كبيرين لا للانتفاع به. ويبدو أنه كان من الضروريات أن يرافق ظهور أنظمة جديدة أن رفعت لواء "الديمقراطية"، لكسب التأييد الجماهيري المتعطش للتغيير والآمل بواقع جديد يحقق له الحياة الحرة الكريمة لكثرة ما سمع عن هذا المصطلح "الديمقراطية". وكأن هذه الأنظمة التي تكشّف نفاقها كانت تستخدم هذا المصطلح لترويض شعوبها وتبقيهم معلقين بحبالها، وهي تمسك لهم العصا في الطرف الآخر من الحبل لمن يحاول أن يعطى تفسيرا فاعلا لمعناه، وبالطبع فإن التهم كانت "تُفَصّل" تفصيلا بحجم التجاوز ومساحته نحو الديمقراطية الصحيحة التي ما كان لها مكان في خطط حكام تلك الفترة الحرجة من تاريخ الأمة العربية، وهي تتحول من دول استعمارية إلى دول مستقلة، الأمر الذي جعل الشعوب العربية تشك في مصداقيتهم لطول ما تلاعبوا بها وأسمعوها شعارات اخترعوها لتتفوق على"الديمقراطية" في رنين صداها! ورغم أن المبدأ "الديمقراطي" هو من صميم عقيدتنا "وأمرهم شورى بينهم"، فإن ما يمكن أن يسمى بالنفاق السياسي قد جمّل هذه التسمية باستخدام المنطوق الأجنبي لها، والذي درجت عليه لتعطي هذه الأنظمة انطباعا بأنها جزء من النظام العالمي المتشدق بهذا المصطلح. وقد انكشف زيفها الآن حين هبت هذه الشعوب تطالب بحقها في العيش الكريم، وبنصيبها من ثروات بلادها لتلحق بموكب الأمم المتقدمة الذي حجبته هذه الأنظمة. ولعلنا لا نبتعد كثيرا حين نقول إن اندلاع الثورات السلمية وما قامت به الجماهير العربية في البلاد التي ثارت حتى الآن لأول مرة منذ سنوات، قد فاجأ بعض الذين ظنوا أن هذه الجماهير قد نسيت كيف تغضب أو تثور، وفاجأهم سقوط هذه الأنظمة الهشة عند أول مواجهة مع الشعب الثائر الذي عجل في وضع الأمور في نصابها لتهب نسائم الديمقراطية التي تتجلى بمحاكمات رموز الفساد الذين أطيح بهم وبزمرتهم، وكذلك بتلك المناصرة من شعوب العالم العربي بإجماعه لهذه الانتفاضات التي كلفت الآف من الشهداء حتى الآن. ومن ثمار قطوف هذه الثورات وسماتها الديمقراطية ما تقوم به فئات من الشعب مطالبة بتحسين أوضاعها وحفظ كرامتها على كل الصعد. الشعب يفهم الديمقراطية كما تعلمها "بشكلها الصحيح" ومن رسوخها في عقيدته السمحاء، والحاكم يفهمها بنفس المعنى، ولكنه مختلف عن شعبه في "أسلوب تطبيقها"، فكان لابد من المواجهة وأن ينتفض الشعب لأن التاريخ قال كلمته منذ الأزل إن الشعوب هي التي تصنع التغيير.
فهل يعقلها من تبقى من الحكام ويعيدون النظر في مفهوم "ديمقراطيتهم" الزائفة ويغيرون أسلوبهم في تطبيقها؟!* كندا