العدل هو أغلى وأعز المقدسات

Ad

يقول المولى عز وجل: "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".

ويقول سبحانه مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".

ويقول المولى عز وجل: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)، والعدل هو بعض ما أنزله الله إلينا في كتابه الكريم، بل هو أسمى ما أنزله سبحانه.

تلك هي الآيات الكريمة التي تكون النبع السامي الذي يستمد منه القضاة أحكامهم.

ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة.

ويقول أبو مسلم الخولاني: إذا عدلت مع أهل الأرض جميعا وجرت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك.

وفي ظلال العدل الذي هو أسمى الغايات وأنبلها قصدا يصدر القضاة أحكامهم، والمتهمون وديعة بين أيديهم، ليحكموا في أمرهم بالعدل الذي هو أعز المقدسات وأغلاها، وهم في ما يصدرونه من أحكام مدينون لربهم ولأنفسهم بما يعتقدون أنه الحق الخالص سواء رضي الناس عنه أو سخطوا، وسواء وافق حكمهم هوى البعض أو انحرف عنه فليس ينبغي للقاضي أن يصدر فيما يرى من حكم عما يقوله الناس فيه.

إنها رسالة القضاء التي يجب على قضاة مصر أن يحملوا تبعاتها، وإنها الأمانة التي يجب أن يؤدوها، متحررين من كل الضغوط أو القيود أو المؤثرات أو الإغراءات أو التهديدات أو التدخلات، لا تضعفهم رغبة أو تثنيهم رهبة غير مبالين بما يحف بهم من مكاره. تلك هي رسالتهم المقدسة، ونبض حياتهم، ولن يحمل عنهم أحد وزرهم في الدار الآخرة إذا حادوا عن الحق أو تنكبوا العدل. والعدل هو أعز المقدسات التي قامت الثورة لتحقيقها باعتباره أحد اهم أهدافها.

 والقضاة هم جزء من نسيج هذا الشعب الذي قام بهذه الثورة للقضاء على الفساد منطلقا من ميدان التحرير الذي جمع كل أطياف الشعب، ومن بينهم فضاة مصر.

مشاعر الكراهية في قضايا الفساد

وإذا كانت ممارسات النظام السابق والفساد الذي كان منهجا لهذا النظام قد خلقا مشاعر من العداء في نفوس كل المصريين، وأن هذه المشاعر المعادية لرموز النظام المتهمين في قضايا الفساد يتداولها الناس والصحافة، وأن رجال القضاء وهم جزء من نسيج المجتمع الذي يحمل مشاعر الغضب ذاتها إلا أنهم في حصنهم الحصين، وعلى منصة القضاء فإنهم مطالبون بألا ينساقوا وراء مشاعرهم الغاضبة في أحكامهم التي هم فيها مدينون لربهم ولضمائرهم. وعليهم الامتثال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان".

هذا هو ما أرسته أحكام الخامس من يوليو الجاري عندما اجتازت حاجز الكراهية والخوف، في عدد من قضايا الفساد على عشرة متهمين. قضت المحكمة ببراءة أربعة من بينهم ثلاثة وزراء وهم: أنس الفقي وزير الإعلام السابق ويوسف بطرس غالي وزير المالية السابق (هارب) من تهمة إهدار المال العام في الإنفاق على الدعاية الانتخابية والدعاية لإنجازات الحزب الوطني المنحل وإنجازات الحكومة السابقة، وفيما قضت به المحكمة من براءة أحمد المغربي وزير الإسكان السابق وعهدي فضلي رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار أخبار اليوم السابق ورجلي الأعمال ياسين منصور ووحيد متولي (هاربين) من تهمة الإضرار بالمال العام وإهدار وإساءة التصرف في الأراضي المملوكة للدولة.

لقد اجتازت هذه الأحكام حاجز الكراهية والخوف، بشجاعة وجرأة وشموخ فهنيئا لمصر بقضائها الشامخ، وهي أحكام سوف تدوي في سمع العالم بما يشهد لقضاء مصر باستقلاله وعدالته ونزاهته.

وكانت هذه الأحكام امتثالا لقول المولى عز وجل: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". فالمولى عز وجل العليم بضعف النفس البشرية وسوءاتها ينهانا عن أن تكون كراهيتنا لقوم سببا لظلمنا لهم.

بهذه الآية الكريمة يأمرنا المولى عز وجل بالعدل حتى مع من نكره ولا نحب.