قد تكون هناك استقالات وزارية سجلها التاريخ السياسي الكويتي، مبنية على أسس مبدئية وتسجيل لمواقف ظلت خالدة، ولكنها تبقى حالات نادرة جداً قياساً بالحجم الهائل لعدد الوزراء منذ الاستقلال، وقد لا تتجاوز مثل هذه الاستقالات المبدئية ثلاث أو أربع حالات فقط جسدت كلها الانتصار للدستور.

Ad

استقالة الشيخ محمد الصباح، وبغض النظر عن دوافعها وأسبابها الحقيقية بل تطلعاتها المستقبلية، لا شك أنها ستكون قاصمة لظهر الحكومة وبمنزلة الإعلان عن العد التنازلي لسقوطها الذي قد يجرف معه مجلس الأمة، ومن المرجح جداً أن تتوالى بعض الاستقالات الأخرى سواء من الوزراء الشيوخ أو العوام في القريب العاجل، الأمر الذي يؤكد رحيل حكومة الشيخ ناصر المحمد السابعة.

ولكن يجب تسليط الضوء على بعض المفاهيم الدستورية المغلوطة التي تواكب عادة استقالة بعض الوزراء، أو هكذا يتم الترويج لها من أجل تسطيح التعاطي السياسي لدى الرأي العام، وما سيل تصريحات المديح والإشادة بالوزراء المستقيلين في الكويت إلا انعكاس وترسيخ لمثل هذه المفاهيم الخاطئة.

نعم قد تكون هناك استقالات وزارية سجلها التاريخ السياسي الكويتي، مبنية على أسس مبدئية وتسجيل لمواقف ظلت خالدة، ولكنها تبقى حالات نادرة جداً قياساً بالحجم الهائل لعدد الوزراء منذ الاستقلال، وقد لا تتجاوز مثل هذه الاستقالات المبدئية ثلاث أو أربع حالات فقط جسدت كلها الانتصار للدستور، والاحتجاج على مصادرة الحريات العامة، أو رفض تحجيمهم كمجرد موظفين يرتدون "البشوت".  أما الأغلبية العظمى من الاستقالات الفردية ومنها استقالة وزير الخارجية الأخيرة فهي قسرية بكل معنى الكلمة، إذ إنها الخيار الوحيد الذي قد يخرج الوزير بأقل "بهدلة" سياسية، والوزير محمد الصباح كان يدرك مصيره، ولعل مستقبله السياسي لو بلع طعم المنصة، وأمام شراسة نائب مثل مسلم البراك، وبمادة استجواب قوية مثل التحويلات الخارجية المشبوهة التي أصبحت بمنزلة الدبلوماسية الخارجية لحكومة دولة الكويت، وامتداد لفضيحة الإيداعات المليونية في الداخل!

والشيخ محمد الصباح أو غيره من الوزراء الذين "تعشعشوا" في حكومات سمو الرئيس المتعاقبة يفترض أنهم متضامنون، وبالتالي يتحملون المسؤولية الكاملة للأخطاء والتجاوزات والإخفاقات، بل دستورياً وعملياً كانوا في خندق المواجهة السياسية الشرسة التي دخلتها الحكومة مع المجلس بما في ذلك تعطيل الأدوات الدستورية وقمع الحريات وإفشال جلسات المجلس.

وقد تكون هناك أبعاد سياسية لمدح بعض الوزراء ومحاولة تقييمهم كأفراد، وقد تشفع لهؤلاء الوزراء اجتهاداتهم الفردية وبعض إنجازاتهم وحتى علاقاتهم الشخصية مع النواب، وغيرهم من القوى السياسية، وقد يكون مثل هذا المديح تكتيكاً سياسياً لفركشة الحكومة وإسقاطها من الداخل من خلال تشجيع وزراء آخرين على الاستقالة بعدما أخفقت الكثير من المحاولات لإسقاط رئيس الوزراء.

وقد تكون استقالة بعض الوزراء الشيوخ من ذرية مبارك في خضم الأزمات السياسية خطوة استباقية لضمان مستقبلهم السياسي وتدرجهم الوظيفي في بيت الحكم، ولكن يبقى هناك البعد السياسي الدستوري الغائب، وهو المفهوم الحقيقي لدولة المؤسسات والمبادئ الدستورية التي ساهمت منذ الاستقلال إلى الآن في تحجيم الديمقراطية الكويتية وجمودها، وقد لا تساهم مثل هذه المفاهيم ومحاولة ترسيخها من قبل بعض التيارات السياسية والكتل النيابية والشخصيات المؤثرة في القرار في تهيئة الأسس السليمة والناجحة للشعار السياسي الكبير القائل: "حكومة جديدة برئيس جديد ونهج جديد"!