على الرغم من غموض مصطلح «الوحدة الوطنية » والتباسه، فإنه يمكننا أن نعرف الوحدة الوطنية على أساس أنها الالتزام بالنظام العام الذي يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع، أي الالتزام بالدستور، إذ إن الخروج على ما يفرضه هذا النظام العام (الدستور) يعتبر خروجاً على الوحدة الوطنية. بمعنى آخر، فإن تحقيق الوحدة الوطنية يعني الالتزام بما يؤكده الدستور من أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات، ولا يجوز ازدراء أي فئة على أسس اجتماعية أو مذهبية.
وهنا فإن السؤال الملح هو: ترى من الطرف الذي من المفترض أن يكون قدوة في تطبيق مواد الدستور؟ هو الحكومة من دون أدنى شك إذ إنها هي، وبنص الدستور، المهيمنة على مصالح الدولة، وتقع عليها المسؤولية الأولى في الالتزام بالدستور، لكن من المؤسف أننا لو استعرضنا بعض السياسات الحكومية ومنها، مثالاً لا حصراً، سياسات التوظيف والترقية والتعيينات في المناصب القيادية والسياسات الإعلامية لوجدنا أن الحكومة تتعدى على الدستور ومقصرة جداً في محافظتها على الوحدة الوطنية.من هنا فإن الحديث الحكومي عن حاجتنا إلى قانون جديد للوحدة الوطنية "وكفى الله المؤمنين القتال"، هو حديث "مأخوذ خيره"، إذ إن المحافظة على الوحدة الوطنية لا تحتاج فقط إلى قوانين وتشريعات جديدة أغلبها لا ينفذ، بل إنها تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى تطبيق فعلي لمواد الدستور التي تنص على سيادة القانون والمواطنة الدستورية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وترسيخ قيم المجتمع المدني، وهو الأمر الذي لا يلمسه المواطنون مع الأسف الشديد.خذ مثلاً قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع، ستجد أن الحكومة لم تطبق ما ورد فيهما من نصوص واضحة تمنع ازدراء أي فئة من فئات المجتمع والتهكم عليها، وهو ما دأب الإعلام الهابط والمدعوم من بعض كبار المتنفذين في الدولة على القيام به.وخذ مثلاً قانون الانتخابات السابق المعيب الذي يقسم البلد إلى 25 دائرة هي عبارة عن "كانتونات" طائفية وقبلية وفئوية، والذي فرضته الحكومة منفردة أثناء فترة تعطيل الدستور في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وظل العمل به سارياً لسنوات طويلة حتى أصبحت هذه التقسيمات الفئوية والمذهبية وكأنها شيء مفروض علينا لا يمكن الفكاك منه، إذ إنها رسّخت أكثر فأكثر الولاءات الثانوية على حساب الولاء الوطني الجامع، رغم أن الدستور يؤكد الدولة المدنية الدستورية الحديثة.كما أن الأمر لم يتوقف هنا، إذ استُبدل هذا النظام الانتخابي التعيس، بعد مطالبات شعبية، بنظام آخر لا يقل سوءاً عن النظام السابق من حيث تقسيم البلد إلى "مقاطعات" طائفية وقبلية وفئوية، وهو الأمر الذي نتج عنه، كما كان في السابق، أعضاء مجلس أمة ممثلون لهذه "المقاطعات"، وليسوا ممثلين للأمة كما ينص على ذلك الدستور.قصارى القول إن حالات التشرذم الاجتماعي والانقسام الفئوي والطائفي، أي عدم تحقيق الوحدة الوطنية، ليس السبب فيها عدم وجود قوانين وتشريعات، فالقوانين موجودة. إذن ليس هناك، في ظننا، قصور تشريعي، بل إن العلّة تكمن في عدم تطبيق الحكومة لهذه القوانين، وغياب بعض السياسات العامة التي تقوم على أسس المواطنة الدستورية ومبادئ تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة.أما مشروع القانون الجديد المسمى بـ"قانون الوحدة الوطنية"، الذي تعتبره الحكومة إنجازاً تاريخياً سيحقق الوحدة الوطنية بلمح البصر! فإنه يتضمن عبارات فضفاضة وغامضة من الممكن أن تحمل أكثر من معنى، وبالتالي أكثر من تفسير، ناهيكم عن أن مشروع القانون الجديد عبارة عن تكرار لبعض القوانين والتشريعات الموجودة التي لم تطبقها الحكومة.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
الوحدة الوطنية... هل هي مجرد قانون جديد؟
13-06-2011