في كتابه Outliars الذي لم أجد لعنوانه ترجمة مباشرة، وسأترجمه بالخارجين على المعتاد، يروي مالكم جلادويل حكاية سكان قرية روزيتو الواقعة في بنسلفانيا، التي أنشأها وأقامها مهاجرون إيطاليون جاؤوا من قرية إيطالية حملت نفس الاسم.

Ad

 يقول جلادويل إن أحد الأطباء كان قد لاحظ، والحادثة قديمة جدا تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، أن سكان هذه القرية لا يصابون بأي من أمراض القلب قبل بلوغهم سن الخامسة والخمسين وألا أحد منهم قد سبق له أن أصيب بالذبحة الصدرية أو السكتة القلبية، ولهذا، مدفوعا باندهاشه من هذه المشاهدة، أجرى دراسة متعمقة في ذلك الوقت قام من خلالها بفحص جميع سكان روزيتو بحثا عن السبب، الذي لم يمنع عنهم أمراض القلب فحسب إنما جعل معدل الأمراض والوفيات عندهم أقل بأكثر من ثلاثين في المئة عن غيرهم من القرى المجاورة.

ظن د. ستيوارت وولف، وهذا اسمه، أن الأمر مرتبط بالعادات الغذائية لهؤلاء السكان في قرية روزيتو الأميركية، ولكنه وجد أن عاداتهم الغذائية لا تختلف عن سكان القرى الأخرى، بل لعلها أكثر اعتمادا على الدهون والنشويات والطعام الإيطالي الدسم الثقيل، ثم ظن أن الأمر مرتبط بالعوامل الوراثية فوجد أن أبناء قرية روزيتو الإيطالية الذين هاجروا من هناك إلى أماكن أخرى في أميركا يعانون أمراض القلب كبقية سكان أميركا، ثم ظن أن الأمر مرتبط بموقع القرية لكنه وجد أيضا حين قارنها بقرى مجاورة يسكنها آخرون أن سكانها يختلفون عنهم، وبعد زمن من البحث والتدقيق والدراسة، اكتشف د. وولف السر وراء كون سكان قرية روزيتو الأميركية لا يعانون أمراض القلب قبل بلوغ سن الخامسة والخمسين.

وجد د. وولف أن سكان قرية روزيتو الأميركية ولارتباطهم العرقي والعائلي كانوا بمنزلة أسرة كبيرة واحدة، وكانت البيوت مفتوحا بعضها على بعض، وكان الترابط الأسري قويا بين الجميع، وكان الاحترام قائما بين الصغير والكبير، وكانت هناك شبكة اجتماعية قوية لدعم المحتاجين من أبناء القرية فلم يكن هناك من يعاني الفقر، وكانت الاحتفالات الأسرية مستمرة طوال الوقت والناس في تواد وتراحم لا ينقطعان، وكان سكان القرية أشبه ما يكونون في داخل قبة زجاجية تحميهم من ضغوط ومؤثرات العالم من حولهم. كانت السعادة تغمر الجميع طوال الوقت والإيجابية والتفاؤل والفرح هي عنوان قرية روزيتو الأميركية!

هذه الحكاية الحقيقية، التي قد لا يصدقها البعض اليوم، كما لم يصدقها زملاء د. وولف من أطباء ذلك العصر، جاءت دراسة طبية حديثة أخيرا لتشير إليها، إذ ورد في مجلة النجاح الأميركية (Success)، أن الضحكة العميقة الواحدة قد تصل إلى رفع مناعة الجسم لمقاومة الأمراض لمدة ثلاثة أيام متتالية!

تخيلوا ذلك، وتخيلوا بعدها حياة ممتدة مليئة بالإيجابية والتفاؤل والسعادة والفرح وتأثيرها في صحة الإنسان جسديا ونفسيا، ولست هنا بالطبع أقلل من أهمية العوامل الأخرى للمحافظة على الصحة كالغذاء والرياضة وما شابه.

حين تحدثت عن هذا منذ أيام في "تويتر" قال لي بعضهم، ولكن الضحك يميت القلب بحسب الحديث الشريف! والحقيقة أن هذا فهم خاطئ للحديث الشريف ناهيك عن أنه بتر له، فالحديث تحدث عن كثرة الضحك لا عن الضحك بذاته، والفرق واضح وبدهي، ومن حق الإنسان، بل من واجبه، حماية لصحته النفسية والعقلية والروحية، أن يمارس الفرح والضحك والإيجابية، وديننا دين فأل حسن وإيجابية، وأما النهي فهو عن "كثرة" الضحك، أي الهزل والسماجة الممتدة التي لا تميز بين وقت الجد وغيره.

اضحكوا وتفاءلوا وأحسنوا الظن بما عند الله تصحوا وسوف تحيا قلوبكم يا سادتي، ولا يهمكم من خالفكم.