مازلت أظن أن ذهاب أو استقالة الشيخ ناصر المحمد لن تؤدي إلى حل مشاكلنا الرئيسة. قد تخفف من بعض الاحتقانات، وقد تؤدي إلى اختفاء بعض المظاهر الرديئة لبعض الوقت، ولكنها بالتأكيد لن تحل معضلتنا التنموية، وإدارتها السياسية المترهلة، التي يشترك فيها الجميع دون استثناء، كلٌّ بدرجة مسؤوليته.

Ad

قبل أكثر من سنتين، وفي إطار أزمة المنصب بعد إقالة رئيس الوزراء سألت نفس السؤال، وتوقعت عودة الشيخ ناصر المحمد، رغم أن كل المؤشرات كانت تقول غير ذلك. لكم أن تصدقوا أو لا تصدقوا، أن مَن بين الذين "استذبحوا" لعودته، كان الشيخ أحمد الفهد، فأين أصبح الرجلان الآن؟ هكذا هي السياسة، حتى في تجلياتها الهشة، والغبية أحياناً كما هو الحال عندنا.

إذاً الاحتقان حول تعيين رئيس الوزراء هو أمر اعتيادي، لكن الدرجة والتفاصيل والظروف تختلف... كيف؟

عندما استقلت الكويت في يونيو ١٩٦١ وبُدِئ التفكير في بناء دولة حديثة، أصبح الأمير الشيخ عبدالله السالم رئيساً للوزراء، وفي ١٩٦٣ وخلافاً لكل التوقعات، تم تعيين الشيخ صباح السالم لمنصبَي ولاية العهد ورئاسة الوزراء، بدلاً من المرشح المحسوم حتماً، الشيخ جابر الأحمد، رحمهم الله جميعاً.

كل التقارير والمؤشرات كانت تشير في اتجاه جابر الأحمد، خاصة بعد مغادرة الشيخ عبدالله المبارك، رحمه الله، البلاد في أبريل ١٩٦١، وقد كان للشيخ جابر دور في التضييق على الشيخ المبارك خلال اضطلاعه بمهمة "المالية". فاجأ عبدالله السالم الجميع باختياره لصباح السالم، كاسراً التبادل المتفق عليه بين فرعَي السالم والجابر، والذي انتهى في وقتنا الحاضر منذ ٢٠٠٦. ولذلك الأمر تفاصيله وأسبابه التي قد نعود إليها في وقت آخر، ولديَّ حول ذلك الموضوع الكثير من الوثائق سأنشرها ضمن دراسة موسعة قريباً، وبالطبع يسعدني تلقي أي معلومات إضافية.

لم تحدث مشكلة في تولي الشيخ جابر الأحمد لرئاسة الوزراء وولاية العهد بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم في نوفمبر ١٩٦٥، إلا أن الأزمة اشتعلت بوضوح بعد وفاة الشيخ صباح السالم في ١٩٧٨؛ فالصراع كان على أشده بين مَن كان متوقَّعاً له أن يتولى المنصبين، وهو الشيخ جابر العلي، رحمه الله، الذي كان نائباً لرئيس الوزراء في ١٩٧٦، وبين أطراف أخرى في الأسرة. وكان هو الذي ألقى خطابه في آخر دور انعقاد يمتدح فيه العلاقة بين المجلس والحكومة، ولم يمضِ شهر واحد حتى تم حل المجلس وتعليق الدستور، بل إن هناك مِن بعض المطلعين مَن يذهب مذهباً بعيداً، ليؤكد أن حل المجلس وتعليق الدستور سنة ١٩٧٦ كان من ضمن اعتباراته كف دور جابر العلي ونفوذه داخل مجلس الأمة، وبقية القصة معروفة. بل إن مرسوماً كان جاهزاً لتعيين جابر العلي، نَشرت خبراً عنه إحدى الصحف، تم سحبه وإيقافه، وتمت دعوة أبناء الأسرة جميعاً تقريباً، ربما لأول مرة، لاختيار ولي للعهد، حينها لم يكن هناك مجلس أمة. وفي ذلك الاجتماع تم ترشيح ٣ منهم، الشيخ جابر العلي والشيخ سعد العبدالله، رحمهما الله، وسمو الأمير صباح الأحمد، حفظه الله وأطال في عمره. ودون الدخول في التفاصيل، فهي كثيرة، وقع الاختيار على سعد العبدالله. فهم حينها جابر العلي ما تم ضده فانسحب من المنافسة، وربما من الحياة السياسية كلها.

هل يعود ناصر المحمد أم يعاد دمج ولاية العهد مع رئاسة الوزراء لتحصين الرئيس القادم؟ أم تكون المسألة مختلفة تماماً؟ أظنها ستكون مختلفة تماماً، ولا يعني ذلك أننا في طريقنا نحو الخروج من المأزق.

***

تحت أي منطق قانوني وإنساني تستمر النيابة في مدّ فترة الحبس الاحتياطي لمن تبقى من شباب مجلس الأمة؟

الإفراج الفوري عنهم أصبح ضرورة حتمية.