ذكرت في المقال السابق أن الحقائق التي تحكم المشهد الطائفي تتركز في:
* التعصب الطائفي أمر فطري يمكن تفهمه أما الفتنة فمدبرة يقوم بها شخص أو نظام بهدف محدد في وقت محدد.* ما يسمى بالأحداث والفتن الطائفية إنما ترجع في الأساس إلى أسباب غير دينية.* سلوكيات النظام وقرارات الحكومة تدفع إلى ترسيخ وتثبيت الاحتقان الطائفي كما أنها تستفيد- في النظام السابق- من الأحداث الطائفية.* المواطن المصري البسيط- من الجانبين- لا يعاني أي فتنة ولا يشعر بخلاف مع الآخر.اليوم نستكمل المشهد ونبدأ بلقطتين أثناء ثورة يناير الأولى للشباب المسيحي الذي يصب الماء للشيخ المسلم ليتوضأ ويصلي، والثانية لتبادل الحراسة والتنظيم بين الشباب المسلم والمسيحي أثناء القداس وصلاة الجمعة. أما ما حدث بعد الثورة فثلاثة مشاهد نتذكرها جميعا، وهي حادث أطفيح وقنا وأحداث إمبابة.ونبدأ بقنا إذ تم قطع أذن رجل مسيحي، وكما هو معروف فلا يوجد في الإسلام حد قطع الأذن (إلا في "والجروح قصاص")، وحيث إن المسيحي لم يقطع أذن مسلم، فهذا يؤكد أن ما تم في قنا إنما كان لأعراف وتقاليد قبلية لا علاقة لها بالإسلام، وما حدث في أطفيح وإمبابة فكان المحرك الأساسي لها قصة حب أو علاقة عاطفية بين مسيحي ومسلمة والعكس.هذه كانت جملة المشاهد التي عاشتها مصر وكلها تؤكد أن ما يحدث بين المتطرفين من الجانبين ليس دفاعا عن الدين، أو من أجل إعلاء شأنه، ولكنهم يتخذون الدين ستاراً ومتاجرة من أجل مكاسب دنيوية ومنافع شخصية.ولتأكيد ذلك لنشاهد موقف هؤلاء من القيادات الدينية؛ فقد أعلن الأزهر مراراً أن من يطالب بإقصاء المسيحيين وعدم أهليتهم للولاية العامة وعدم تجنيدهم ودفعهم للجزية... إلخ لا يفهمون الإسلام ولا يتحدثون لغته. وقول المتطرف المسيحي ورده على دعوة البابا شنوده بفض اعتصام ماسبيرو "للكنيسة قيادتها الروحية والدينية ولنا حريتنا الشخصية وقرارنا السياسي"... فهل هناك تأكيد أكبر من ذلك يثبت أن المتطرفين من الجانبين لا يدافعون عن دين ولا يحاربون من أجل عقيدة؟وبالله عليكم هل يزداد دين أو ينقص بانضمام رجل إليه أو ترك امرأة له؟! أي دين هذا وأي عقيدة تلك وأي أتباع هؤلاء الذين يسيؤون إلى دينهم بقصة حب وعلاقة عاطفية؟!يمكننا باطمئنان تام القول إن كل ما يدعونه فتنة طائفية، إنما هو استغلال من جانب بعض المتطرفين للانتماء الغريزي والحب الفطري للدين لدى المصريين من أجل مكاسب دنيوية ومصالح ذاتية.يقينا لا يوجد حل سحري بين ليلة وضحاها، كما أن الحل يجب أن يتسم بالصراحة والشجاعة والقدرة على المواجهة، فقد يثير الكثير من العواصف، لكن بدون ذلك سنظل ندور في حلقة مفرغة تهدأ تارة وتنشط أخرى ويجب أن يشتمل الحل على:أولاً: تخلي الحكومة عن التصرفات والقوانين التي ترسخ الطائفية، وأن يكون التعيين في جميع الوظائف والقيادات تبعاً للكفاءة (الرجل المناسب في المكان المناسب) دون النظر إلى ديانته.ثانياً: إعلان جهاز الإحصاء العدد الفعلي لكل من المسلمين والمسيحيين ونسبتهم وتوزيعهم بكل شفافية ووضوح كي لا يظل هذا العدد "فزاعة" يستخدمها المتطرفون بالتهويل مرة والتقليل مرة.ثالثاً: سرعة اجتماع فقهاء القانون مع رجال الدين لإصدار قانون دور العبادة الموحد مع ضرورة ألا يقتصر القانون على تراخيص البناء والترميم، بل يشمل أيضا عدد دور العبادة ومساحتها والإشراف الحكومي عليها وكل ما يتعلق بها.رابعاً: ضرورة تفهم الكنيسة للتعامل بسماحة الدين وروح العقيدة مع الحالات الاجتماعية والمشاكل الزوجية التي تواجه أتباعها المؤمنين.كان هذا رؤية سريعة للمشهد الطائفي في مصر، وطرق وأد الفتنة والقضاء عليها قد تثير غضب البعض وسخطهم، وقد تنال إعجاب آخرين، لكنها في النهاية رؤية تتقبل كل الاحتمالات والآراء.
مقالات
المشهد الطائفي... الخلاصة والحل
03-06-2011