مخطئ من يظن أن الثورة المصرية لن تواجه مشاكل بعضها غاية في التعقيد، خصوصا أنه ولأول مرة في التاريخ أن من يقوم بالثورة لا يستلم السلطة مباشرة، فالثوار في مصر لم يستلموا السلطة بل استولى عليها العسكر الذين تعهدوا بحماية الثورة وتسليم السلطة للمدنيين، وهذه المسألة بحد ذاتها مسألة شائكة ومعقدة.

Ad

لم يكن مستغربا أن تواجه الثورة العظيمة التي قام بها الشعب المصري البطل العديد من المؤامرات في السر والعلن، والتي تحيكها فلول النظام المخلوع والقوى الإقليمية والعالمية المؤيدة للثورة المضادة والمعادية للإصلاح والتغيير في منطقتنا العربية، إذ إن لمصر كدولة دورا قياديا في منطقة الشرق الأوسط.

فعندما تكون مصر دولة حرة قوية وديمقراطية فإن موازين القوى في المنطقة ستكون في مصلحة قوى الإصلاح والتغيير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وهو الأمر الذي لن يكون في مصلحة قوى التخلف والتبعية والاستبداد واحتكار السلطة والثروة.

كما لم يكن مستغربا البتة أن قوى الثورة المضادة في مصر ومؤيديها إقليميا ودوليا سيحاولون، بعد أن امتصوا الضربة الأولى المفاجئة والموجعة، تشويه الوجه الناصع للثورة خصوصا أن هذه القوى مجتمعة تمتلك الأموال الضخمة المسروقة من ثروة الشعب المصري أو التي تجلبها من الخارج، والتي مكنتها من السيطرة على بعض وسائل الإعلام، وتجنيد "البلطجية" على أمل إفشال الثورة، وتخلي الناس عن تأييد ثورتهم العظيمة حتى لو أدى الأمر إلى إحراق القاهرة كما حصل في "ماسبيرو" مطلع هذا الأسبوع، لكن هذا الأمل سيظل مثل "أمل إبليس في دخول الجنة"، فالشعب المصري البطل الذي بهر العالم في يناير الماضي لن يتخلى عن ثورته مهما كانت التضحيات التي يجب عليه تقديمها.  المؤسف هنا أن بعض القوى الدينية-السياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية تلعب دورا أقل ما يقال عنه إنه دور سلبي، وغير مسؤول في مواجهة قوى الثورة المضادة، إذ إن القوى الدينية توفر، في أحايين كثيرة، لقوى الثورة المضادة الوقود اللازم لإشعال نار الفتنة الطائفية كتلك التي اندلعت قبل يومين في وسط القاهرة؛ رغم معرفة الجميع أن الثورة المصرية قد قامت في الأساس من أجل توفير الحرية والكرامة للشعب المصري، بكل طوائفه وأديانه وملله.

وهذا لن يتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي تتسع للجميع، والتي تجاهد قوى الثورة المضادة ومن يؤيدها إقليميا ودوليا من أجل عرقلة بنائها؛ لأنها تعرف تمام المعرفة أن "النموذج" المصري في حالة نجاحه سيكون ملهما لبقية الشعوب العربية والإسلامية.

أخيرا، مخطئ من يظن أن الثورة المصرية لن تواجه مشاكل بعضها غاية في التعقيد، خصوصا أنه ولأول مرة في التاريخ أن من يقوم بالثورة لا يستلم السلطة مباشرة، فالثوار في مصر لم يستلموا السلطة بل استولى عليها العسكر الذين تعهدوا بحماية الثورة وتسليم السلطة للمدنيين، وهذه المسألة بحد ذاتها مسألة شائكة ومعقدة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن بعض القيادات الكبيرة في الجيش كانت تدين بالولاء المطلق للنظام المخلوع!