نكسة للحرية أم مرحلة حتمية!
صحيح، كما كتب الزميل محمد الجاسم في موقعه، أن نتائج الانتخابات كانت "رسالة غضب" تحدث عبرها الشعب الكويتي عن استيائه من أداء السلطة حين كان يطالب عبر الندوات والتجمعات بإقالة الحكومة السابقة، ووجد في هذه الانتخابات فرصة لا تعوض لرد الاعتبار لما سبق من تجاوزات في استعمال العنف والقسوة ضد التجمعات الشعبية.
ومهما تكن الأسباب المفسرة لتألق نجم التيار الديني والسقوط المروع للقوى التقدمية – إن صحت التسمية- فإن رسالة الغضب الشعبية جاءت في غير مكانها الصحيح، فلم يكن ضحايا السقوط فقط هم "ربع الحكومة" المتعيشون من صدقاتها وكرمها، بل إن الضحايا الحقيقيين هم دعاة الحريات الاجتماعية من مطالبين بإعمال روح الدستور الذي تخنقه اليوم حبال الأصوليات المحافظة بتحالفاتها الانتهازية مع قوى التخلف الرجعية، فصالح الملا وأسيل العوضي وحسن جوهر على سبيل المثال لم يكونوا يوماً من الواقفين في طوابير باب النفقات الحكومية، بل لعلهم دفعوا أثمان مواقفهم الصلبة في قضايا الحريات ومعارضة السلطة في الحق؛ تفسير نتائج الانتخابات على أنها رسالة غضب صحيح جزئياً، ولكنه لا يمثل حقيقة الواقع في الكويت، وما يجري في المنطقة مع صعود المرحلة الخمينية (تعبير توماس فريدمان)، فما حدث في الكويت، وقبلها بدول الربيع "السلفي" هي نتائج حتمية لتشوهات في بنية هذه الدول، وعجز أنظمتها عن وضع مجتمعاتها في مضمار الحداثة الحقيقية، إذ آثرت تلك الأنظمة في سبيل ديمومة بقائها أن تبقى النزعات الرجعية المتخلفة في المجتمعات العربية على حالها، ما دامت هي بمنأى عن المساس بالنظام الحاكم، وكان نظاما السادات والنميري قدوتين صالحتين تقتدي بهما بقية الأنظمة العربية وتستلهم تجربتهما، ووجدت الولايات المتحدة ضالتها في الإسلام السياسي بالأمس لتقويض الاتحاد السوفياتي، وكانت تجربة المجاهدين الأفغان التي عاشت على البترودولار مثالاً حياً في حرب الوكالات ضد العدو الشيوعي، أما اليوم، فبالتأكيد لن تكترث دول الغرب إن صعد التيار الأصولي- القبائلي وأمسك بخناق الحكم وتمت التضحية "بالقلة" التقدمية ونحرت الثقافة وجزت رقاب المثقفين والأدباء والفنانين على مذابح منصات حفر البترول، فلعل دول الغرب مقتنعة بأن المرحلة التي تمر بها شعوبنا حتمية في مسارها التاريخي، وتذكرها بالتاريخ الأوروبي في نهايات القرن السابع عشر، أو لعل الدول الغربية تأست بما نسب لسعد زغلول في يأسه من الواقع "مافيش فايدة ياصفية"، وهي صفية العرب اليوم... لنتأمل ما حدث في العراق، ثم ليبيا والآن سورية، ولنترك اليمن التعيس، فهو يمثل نموذجاً رائعاً لما قد تؤول إليه دول منطقتنا تحديداً.لنعد إلى الكويت، فنتائج الانتخابات "شبه" الديمقراطية هي هزيمة للديمقراطية ذاتها. الديمقراطية لا تذهب إلى حفلات تنكرية ولا تضع القناع الديني ولا الطائفي ولا العنصري أو العرقي على وجهها كما حدث الخميس الماضي، إلا إذا كنا مؤمنين بصناديق الاقتراع التي أتت بالنازيين في ألمانيا والفاشيين بإيطاليا قبل الحرب الكونية الثانية. ليس للديمقراطية غير الوجه الليبرالي الإنساني، أما غيره فليس سوى أقنعة كاذبة.