بين القصة والبحث
تتقاسم حياة الباحث والقاص الإماراتي سلطان العميمي أمور عدة، فهو غارق في عمل إداري مضن في أكاديمية الشعر العربي ضمن هيئة أبوظبي للتراث والثقافة، وكذلك رئاسة تحرير مجلة شاعر المليون، وبين هذا وذاك تطل علينا نفحات من نصوص قصصية وشعرية ينثرها، هنا أو هناك.في مجموعته القصصية الصادرة أخيرا تحت عنوان «الصفحة 79 من مذكراتي» يضع العميمي خلاصة تجربته في الكتابة الإبداعية بعيدا عن البحث الأدبي الذي أنجز من خلاله خمسة كتب سابقة تتناول في مجملها شخصيات شعرية وثقافية إماراتية.
اللافت في المجموعة القصصية الجديدة -وهي الأولى للكاتب- الحدث الواقعي الذي يتسلسل عبر تحول تلقائي وتصاعد للحدث، مما يجعل للحكاية وتيرة زمنية تنتقل في سياقها المألوف لتطور الأحداث، فنحن أمام حكاية واقعية يعمد العميمي إلى النأي بها عن التجريب، أو الغموض الذي يكتنف الشكل المعاصر من الكتابة القصصية، وبالتالي تبرز أحداث القرية الصغيرة، وما يرافقها من شخوص يحملون في ذواتهم إرثا تقليديا كذاك الذي يقوم على الرعي، وحياة البادية، أو حتى ما يكتنفهم من هواجس بدائية كأعمال السحر والشعوذة، أو مهن مندثرة، مثل «حفار القبور» الذي يوظف فكرته في أكثر من قصة للإشارة إلى مرحلة زمنية محددة، أو تمحيص وإعادة تأمل فكرة الوفاء للقيم الأصيلة، ومن بينها الحفاظ على حرمة الموتى، وعدم الإساءة إلى رفاتهم، أو نبشها مجددا. هذه الفكرة تبرز أكثر شيء في قصة «قبور»، إذ يستيقظ حارس المقبرة على وقع طارق يأتيه منتصف الليل ليخبره بأن ثمة كنزا مخبوءا في مقبرته، ويعرض عليه مبلغا ضخما جراء «نبش» القبور مجددا، لاستخراج الكنز، ولكن «الحفار» يستهجن تلك الفكرة، ويرفضها بشكل قاطع، وبعد خروج ذلك الضيف الداعي إلى استخراج الكنز، ومرور عدة أيام يفاجأ «الحفار» بأمر البلدية بإخراجه من وظيفته، وشق شارع طويل يمر من فوق المقبرة، وهنا تأتي قمة المفارقة، ويخرج حفار القبور للبحث عن صاحب الكنز، فهل سيجده؟تلك النهاية المفتوحة للقصة السابقة تتيح أمامنا فرصة للتأمل، والبحث عن نهاية أخرى قد تكون متخيلة، ولكنها لا تخلو من تشويق، فقصة «السنطوانة» تشبه في بنيتها كثيرا «قبور» المشار إليها سالفا، فهذان النصان «ينبشان» إرث القرية وتقاليد أهلها، عبر تقنية واقعية أثبتت جدواها في التشويق واجتذاب القارئ، فالهدف المعلن من قراءة القصة ولدى غالبية القراء، تتبع الحكاية، وتأمل مراحل شخوصها، إن لم يكن العيش مع هذه الشخوص في تفاصيل حياتهم إلى الحد الذي يتماهى فيه القارئ مع شخوص وأبطال عمله الذي يحتضنه، وذاك أمر قد يتحقق في الرواية أكثر شيء إلا أن القصة القصيرة المختزلة قد تحقق بعض جوانب هذا التماهي أو التأمل المستغرق إذا تأكد لدينا أن الأحداث إنما ترتكز على بنية واقعية، وهو ما تحققه قصص العميمي في المجموعة. بقي أن أشير إلى تلك النصوص القصيرة جدا، التي ترد بين ثنايا المجموعة، وهي بمنزلة محطة للراحة، فالحدث هنا مجتزأ، وكذلك اللغة شعرية بامتياز، فنحن أمام حدث وحيد، يجترحه في الغالب شخص/ شخصية واحدة، أو ربما هو ثنائي يخضع لفكرة الحب، كشعور متبادل يخضع لمفارقات عدة، يظهر ذلك في نصوص: «صياد» و»سندباد» و»مفتاح» يقول:«في طفولتها كانت تتقمص شخصية العصفورة...وكان يتقمص شخصية الصياد الماهر...كبرا... وافترقاثم سقط ذات يوم كطائر مذبوح، صريعا لنظرتها».