إنديرا غاندي في الهند، وسيريمافو باندارانايكا في سريلانكا، وبنازير بوتو في باكستان، والشيخة حسينة في بنغلاديش، وكورازون أكينو في الفلبين، وميغاواتي سوكارنوبوتري في إندونيسيا- كلهن من الزعامات النسائية التي هيمنت على جنوب آسيا وجنوب شرقها طيلة قسم كبير من العقود الأربعة الماضية. وكل منهن تنتمي إلى طبقة خاصة من النساء اللاتي كان أزواجهن أو آباؤهن الآباء المؤسسين لبلدانهم أو من زعماء السياسة المخضرمين، ولكن على الرغم من صعودهن إلى السلطة بفضل صلات النسب هذه، فإن هذا لم يكن العامل الوحيد الذي أبقاهن في السلطة.

Ad

عند انتخاب أي منهن، لم تكن تتمتع بأي مؤهلات مهنية أو سياسية حقيقية، وبالنسبة إلى بعضهن، كانت هذه "النقيصة" بمنزلة ميزة في واقع الأمر، حيث مكّنت بعضهن من استعراض صورة البراءة والنقاء، بل حتى الشهادة، عندما وقفن في محل أزواجهن أو آبائهن المتوفين. ولم تركز أي منهن على أجندة نسائية (على الأقل ليس أثناء ولايتهن في مناصبهن)، وتؤكد الدراسات أن النساء الريفيات لم تتحسن أحوالهن بشكل خاص أثناء حكمهن.

ولكن أمراً مختلفاً تمام الاختلاف ظهر في آسيا في عام 2011، فلايزال لدينا حتى الآن قيادات من النساء اللاتي وصلن إلى السلطة جزئياً بسبب نسبهن الأسري، ولكن يبدو أنهن الآن يستخدمن مناصبهن بقدر أعظم من الثقة لوضع المرأة وشواغلها في بؤرة أجنداتهن، ولعل الأمر الأكثر أهمية أن عدداً متنامياً من النساء يصل الآن إلى أعلى المراتب السياسية في بلدانهن بفضل مواهبهن السياسية فحسب.

فقد أصبحت سونيا غاندي، الزوجة الإيطالية المولد لرئيس الوزراء السابق راجيف غاندي وزوجة ابن الراحلة إنديرا غاندي، المرأة الأكثر قوة في الهند لأسباب تتعلق بتاريخ أسرتها في الحكم، ولكنها برهنت على نحو ثابت على أنها داهية سياسية من وراء الكواليس. فتتلخص المهمة الرئيسة في نظرها، في تعزيز قوة "حزب المؤتمر"، الذي انتخبت لرئاسته في أوائل عام 2011 لولاية رابعة، وهو حدث غير مسبوق، ولكنها أنفقت أيضاً قدراً كبيراً من الطاقة على تعزيز وضع النساء، خصوصاً تمثيلهن في السياسة، والواقع أنها مارست ضغوطاً قوية في دعم براتيبها باتيل لكي تصبح أول رئيسة للهند.

وعلى نحو مماثل أصبحت الشيخة حسينة، رئيسة وزراء بنغلاديش التي تحمل لواء والدها المغتال، من أكثر المناصرين تحمساً لقضايا التنمية، مع التأكيد بشكل خاص على النساء واحتياجاتهن، والواقع أن هذه الأجندة، التي كانت غائبة عن فترة ولايتها الأولى، هيمنت على فترة ولايتها الحالية للسلطة.

وفي شرق آسيا أيضا، تشهد الساحة السياسية صعوداً واضحاً للنساء، فالآن أصبحت بارك غيون هاي، ابنة "بارك تشونغ- هي" رئيس كوريا الجنوبية أثناء الفترة 1961-1979، واحدة من مرشحين محتملين لخلافة الرئيس لي ميونغ باك، وعلى الرغم من أن بارك تستمد بعض قوتها من نسب عائلتها، فقد أثبتت أنها سياسية محنّكة ومخضرمة، وقد ارتقت سلم زعامة الحزب الوطني الكبير على مدى العقدين الماضيين إلى أن أصبحت شخصية وطنية مهمة. والواقع أن الدور الذي لعبته في مناصرة أجندة شاملة للنساء يشكل منظوراً جديداً يمكن من خلاله تقييم قوة زعامات آسيا الجديدة.

ولنقارن هنا بين بارك وكورازون أكينو، التي عندما انتخبت رئيسة للفلبين صرحت ببساطة بأنها مجرد ربة منزل، وأنها ليست سياسية محترفة أو زعيمة مخضرمة. كان من الواضح أن الناخبين اختاروها لأنها كانت أرملة بطل المعارضة القتيل بنيينو أكينو. وعلى النقيض من هذا، لا أحد يستطيع أن ينكر على بارك مؤهلاتها المهنية؛ لذا فإنها تؤخذ على محمل الجد بسبب خبرتها وقوتها السياسية وليس بفضل انتمائها الأسري.

وحتى في اليابان، هناك تغير مماثل يلوح في الأفق، ولكن من دون أي تلميح إلى الانتماء الأسري، فتُعَد يوريكو كويكي، وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي سابقاً، واحدة من أقوى الشخصيات السياسية في البلاد؛ بل إنها قد تشغل منصب رئيس وزراء اليابان قريباً، وخلافاً للعديد من الزعماء الآخرين في حزبها (الحزب الديمقراطي الليبرالي) لا تنتمي كويكي بالنسب إلى أي شخصية سياسية كبيرة، بل إنها بدلاً من ذلك تعكس مواهبها السياسية الفريدة: حيث تتمتع بخلفية أكاديمية في الدراسات العربية (درست في جامعة القاهرة)، وتتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة، الأمر الذي يضفي عليها منظوراً عالميا يفتقر إلى مثله أغلب أقرانها من الذكور.

والواقع أن كويكي ليست المرأة الوحيدة في آسيا التي لا تتمتع بروابط أسرية وتنجح رغم ذلك في صياغة تاريخ مهني من شأنه أن يقودها إلى القمة، فكثيراً ما تُذكَر سري ميولياني إندراواتي، وزيرة المالية السابقة في إندونيسيا والمديرة الإدارية للبنك الدولي حالياً، بوصفها مرشحة رئاسية بارزة في بلادها، بل إن حزباً جديداً تم تأسيسه خصوصاً لحضها على خوض انتخابات الرئاسة في عام 2014.

وفي تايوان، تشكل تساي إنغ ون تحدياً مستمراً وقوياً للرئيس الحالي في الانتخابات المقررة في يناير 2012، فبعد أن ساعدت في صياغة القانون الخاص الذي ينظم العلاقة بين تايوان والصين، أصبحت في وضع قوي يسمح لها بإدارة القضية الشائكة التي لابد أن يواجهها أي زعيم تايواني: العلاقة مع الصين.

ومن بين القادمات الجدد الأخريات إلى ساحة الزعامة السياسية ينغلوك شيناواترا، رئيسة وزراء تايلاند، ومن الواضح أن أحد الأسباب التي مكنتها من اكتساح كل من وقف في طريقها إلى السلطة هذا العام كان ارتباطها بأخيها، رئيس الوزراء السابق المنفي تاكسين شيناواترا، الذي يسيطر على أقوى حزب سياسي في البلاد، ولكنها أوضحت أثناء حملتها الانتخابية أنها لا تنتمي إلا إلى نفسها، وأنها زعيمة محنكة تحمل الدرجات المهنية المناسبة في عالم الأعمال.

ثم هناك بالطبع أونغ سان سو تشي البورمية الحاصلة على جائزة "نوبل" للسلام، فهي ابنة مؤسس بورما المستقلة، سون تشي، وهي الآن منخرطة في المهمة التي ربما كانت الأخطر والأكثر حساسية في تاريخها السياسي، محاولة هندسة عملية انتقال ديمقراطية حقيقية بعد عقود من الدكتاتورية العسكرية.

ولكن خلافاً للجيل الأول من الزعيمات الآسيويات، اللاتي وصلن إلى السلطة في الأساس بفضل انتماءاتهن الأسرية، فإن المنتميات إلى الجيل الناشئ من الزعيمات يتسمن بالقوة والثقة والاستعداد لخوض التحديات المتمثلة بقيادة أممهن بشروطهن، ويبدو أن أتباعهن يرون فيهن طلائع التغيير الذي تتوق إليه مجتمعاتهن.

في وقت لا يخلو من الكثير من المظالم الاجتماعية والاقتصادية، على الرغم من النمو الاقتصادي الذي تشهده آسيا، فضلاً عن عدم اليقين بشأن متانة السلام في المنطقة، فإن الرغبة في البحث عن حلول جديدة للمشاكل كانت سبباً في حصول الزعامات النسائية على دفعة قوية، والواقع أنهن على أتم استعداد لتولي مقاعدهن على قمة السلطة، بل ربما لتغيير هيئتها على نحو لم يسبق له مثيل.

*فيشاكا ن. ديساي Vishakha N. Desai

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"