تيسر لي حضور تظاهرة الأربعاء الماضي التي جرت في ساحة الإرادة تحت عنوان "إسقاط الراشي والمرتشي"، وعدت منها محملا ببعض الملاحظات والتصورات التي سأشارككم بها اليوم.

Ad

بطبيعة الحال، اختلفت الجهات في إعطاء رقم واضح لعدد الحضور في تلك الليلة الحاشدة، وهو أمر متوقع، فهناك من مؤيدي التظاهرة من حلقوا بالرقم إلى ٩٠٠٠ وربما أكثر، وهناك من معارضيها من نزلوا بالرقم إلى ١٥٠٠ وأقل، وفي قناعتي أن كلا الرقمين قد جانب الصواب بشكل فاقع، وكشف من يقول بأي منهما على محك المصداقية.

وزارة الداخلية، وهي التي لم تكن بحاجة للتصريح بأي رقم أصلا وهي التي حين تصرح ستميل بطبيعة الحال إلى التهوين من حجم الحدث، صرحت بأن عدد المحتشدين هو ٢٣٠٠ شخص، وهو رقم غريب في الحقيقة ولا أدري كيف توصلت إليه الأجهزة الأمنية، فلا هي التي قالت كانوا ٢٠٠٠ ولا هي التي قالت كانوا ٢٥٠٠ مثلا، بل ٢٣٠٠ وكأن العساكر الذين انتشروا ليلتها هناك، بشكل لافت أقرب إلى السخرية ولا يتناسب مع طبيعة الحدث، كانوا يقومون بإحصاء الناس فردا فردا! العدد الأقرب إلى المعقول كما شاهدت بنفسي بعدما تحركت في نواحي المكان ونظرت إلى زواياه الأربعة كان أكثر من ٤٠٠٠ محتشد قطعا، ولن أشك في أنه قد تجاوز الخمسة آلاف في لحظات معينة، وهذا الأمر قد شاهده وزير الداخلية بنفسه، فقد كان قريبا من موقع الحدث وأعتقد أنه يملك من الخبرة ما سيدله على أن الجمع الذي كان أمامه أكثر بكثير من ١٥٠٠، وهو العدد الذي ذكرته صحف الموالاة الغبية في أسلوب موالاتها، وأكثر من ٢٣٠٠ وهو العدد الغريب الذي ذكرته وزارته، وبالطبع أقل من ٩٠٠٠ وهو العدد الذي قفزت إليه جهة بعينها ندرك قصتها. وعلى أي حال، فالعدد على وجه الدقة ليس مهما، ويدرك العاقل تمام الإدراك أن كل طرف سيميل إلى تحوير الرقم، إما بالتضخيم وإما بالتقزيم، وفقا لما يتواءم واحتياجاته، لكن المهم أن تصل الصورة الحقيقية إلى النظام وإلى الحكومة، بأن الشارع اليوم قد صار يخرج بأعداد أكبر بكثير مما ألفته الساحة السياسية الكويتية، وأن الشعارات المطروحة في هذه التظاهرات قد بلغت سقوفا غير مسبوقة، وأن هذه التغيرات تغيرات لم تأت من قبيل المصادفة، وتستوجب بالفعل علاجا عاجلا حكيما صادقا، وأما قيام صحف الموالاة والحاشية والبطانة بنقل صور غير حقيقية لما يجري، والتهوين من حقيقة الأحداث فلن يقود إلا إلى المزيد من الغليان وإلى المزيد من المتاعب!

ومن جانب آخر، فإنني أفهم تماما وأقدر رفض البعض لفكرة النزول إلى الشارع، إما لمانع شرعي وفقا لقناعاتهم الدينية، وإما لمانع مبدئي يرى أن النزول إلى الشارع مرفوض في كل الأحوال، لكنني لا أعذر أي شخص، لا من هؤلاء ولا من غيرهم، لا يدرك ولا يحس بحجم التدهور والفساد الذي يمر به البلد ويظن أن ما يجري اليوم هو أمر بسيط، ولا يتحرك لأجل الإصلاح بالوسيلة التي تتوافق ومبادئه وقناعاته.  وكذلك فإن قيام البعض بالتهجم والتشكيك في تظاهرة الأربعاء الماضي من باب أن فيها من النواب من لا يعتد بمصداقيته ويشكك في ذمته ووطنيته، قد أقبله منهم لو رأيت منهم في المقابل تحركا ضد التدهور والفساد بالطريقة التي يرتضونها لأنفسهم بعيدا عن هؤلاء النواب، إن كانت فعلا هذه هي الحجة الحقيقية، لكن أن يجلس الواحد متكئا في بيته ويشرع في الكتابة في الصحف وفي "تويتر" وغيرها لانتقاد كل من يتحرك، دون أن يقدم هو بدوره أي شيء لإنقاذ هذا الوطن، فالأمر حينها ليس سوى زيف وادعاء!

خلاصة القول، يعرف المتابعون أني لست ممن يندفعون للخروج في هذه التظاهرات دون تمحيص، لكن الأمور في البلد قد وصلت إلى حد ما عاد يجدي معه "التنظير" والكلام، وحان الوقت أن نتسامى على اختلافاتنا الجزئية ونؤجل النقاش حولها إلى وقت لاحق، وأن نقف اليوم صفا واحدا للتصدي لما يجري، تظاهرة الأربعاء دون الدخول في جزئيات وتفاصيل ما قاله النواب من حماسيات وغيرها، ودون الالتفات لمن يقوم عليه أو خلفه، قد جاءت لشعار رئيسي هو التصدي لمسألة الرشاوى المليونية ومن يتعامل بها، راشيا ومرتشيا، ومن لا تحركه مثل هذه المسألة ولا تستنهض غيرته على وطنه، ولا يتحرك بشكل من الأشكال ولو بأقل الإيمان، فلا قيمة له.