منذ أكثر من سنة كنت أرى أن استمرار حالة الاحتقان السياسي على وضعها من المستحيلات. وكنت أتصور أن مآل الأمور إلى تصعيد، وإلى صدام، ولذا فلم أجد أحداث الأربعاء 17 نوفمبر 2011 مستغربة، بل جاءت في سياقها الطبيعي.

Ad

لا أوافق على اقتحام المجلس ولا مع تبريره إلا أنني أفهمه وكنت أرى أكبر منه قادماً، وكم حذرنا من تدهور الأمور الذي تتحمل أغلب وزره الحكومة بعجزها وفشلها وخصوصاً في ما يختص بمكافحة الفساد. كما يتحمل بعضَه نوابُنا وقوانا السياسية، أما وقد أعلنت جميع القوى السياسية موالية ومعارضة فشلها حين لجأوا جميعاً إلى صاحب السمو أمير البلاد وكان ذلك اللجوء السياسي، إن جاز التعبير، في يوم واحد، فقد أصبح العجز شاملاً.

في أوائل سنة 1959 وإبان حكم الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، حدثت أزمة طاحنة في البلاد فتمت الاعتقالات، وأُغلِقت الأندية والصحف، وما إن دخلت الكويت في إطار الاستقلال بدا أنه لم يكن بالإمكان الخروج من المأزق وبناء الدولة إلا بالتوافق. وهكذا كان، قام الشيخ عبدالله السالم رحمه الله بدعوة أركان المعارضة المقموعة وغيرهم من الشخصيات إلى التعاون في بناء بلد دستوري ديمقراطي وأدخلهم في قدر منطقي من التحالف الذي أنجب في وقت لاحق الدستور الكويتي الذي نعرفه، والذي كان عقداً اجتماعياً بامتياز نقل البلاد من حالة حكم مطلق إلى الحكم الدستوري.

الأزمات في حياة الشعوب ليست نهاية الطريق، كما أنها ليست الكوارث التي نظن، بل لعلها تبين لنا مواقع الضعف في المجتمع، التي قد لا نكتشفها عندما تتم التغطية على نواحي الضعف وإشاعة التعتيم والتضليل.

الآن نحن في سياق الأزمة ولسنا في نهايتها، وما حدث ليس إلا جزءاً بسيطاً مما يمكن أن يحدث، فقد تتجه الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه. وفي ظني أن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، يستطيع أكثر من غيره قيادة المجتمع نحو التوافق للخروج من هذا المأزق، خاصة أن سموه استذكر في خطابه الأخير الذي افتتح به دور انعقاد مجلس الأمة كيف تعامل الشيخ عبدالله السالم مع أزمةٍ كانت من حيث الشكل تبدو مدمرة للنظام الدستوري عام 1964، وكيف عالجها بحنكة، ولم يقحم نفسه في الصراع الدائر، بل كان حكماً بين أطرافه، وكان، كما هو، والداً للجميع.

بالطبع فإن مشروع التوافق في سنة 2011 تختلف أرضيته وأسسه عن تلك التي جرت وتمت في عام 1961. أو حتى في 1964. والمجتمع قد تعرض لعملية تغيير شبه جذرية إلا أنه وفي المقابل فإننا لا نحتاج هذه المرة إلى خلق شيء غير موجود، فالدستور هو القاعدة الحاكمة الجامعة التي ننطلق منها مما يجعل الأمر أكثر قابلية للانطلاق نحو الاستقرار. وهي عملية لا يمكن أن تكون على شاكلة "صيغة الحوار" التي دشنتها حكومة الشيخ سعد العبدالله رحمه الله في الفترة الواقعة ما بين أبريل ويونيو 1990 التي كانت تتم على قاعدة خارج الدستور. ففشلت حين أنجبت لنا المجلس الوطني. وكان الحكم حينها قد حزم أمره على خيار إلغاء الدستور نهائياً.

أظن أن هناك شيئاً أخيراً يجمع بين الرجلين، الأميرين، الشيخ عبدالله السالم، والشيخ صباح الأحمد، أكثر بالتأكيد من مجرد بيت شعر ردداه في حلق الأزمة، 1964 و2011. لعلهما كانا الوحيدين اللذين أديا اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة. كان خياراً لعبدالله السالم أن لا يؤدي اليمين الدستورية فوجوده كأمير كان سابقاً على الدستور، ولكنه أصرّ على ذلك الإجراء بمحض إرادته. أما أميرنا الحالي فقد اتضح اتجاهه الدستوري إبان أزمة الحكم التي اشتعل أوارها في ديسمبر 2006 اختار حسم أزمة الحكم عن طريق مجلس الأمة، مع أن موازين القوى كانت تتجه إلى صالحه، فرسخ سابقة لم تكن متخيلة، وهي اختيار أمير البلاد عن طريق مجلس الأمة.

قد أكون متفائلاً، فأقول وقياساً على تجربة 1959، اشتدي أزمة تنفرجي، وعسى أن يتم ذلك قريباً، أو لعل في تفاؤلي ضرباً من الجنون، وبالتالي فإننا أمام تصعيد، وربما إلى مصير مجهول وأزمة طاحنة لن تتمكن ملامح الدولة التسلطية ووجهها الأمني من حلها، بل ستزيدها تعقيداً ولا حول ولا قوة إلا بالله.