وجهة نظر: سعر التعادل بين زيادة الرواتب واستحقاقات الربيع العربي
في النصف الأول من هذا العام أطلقت المملكة العربية السعودية، حزمة واسعة من برامج الإنفاق من خارج الموازنة، قدرت تكلفتها بنحو 470 مليار ريال سعودي، أي ما يعادل نحو 130 مليار دولار، خصصت للتوسع في مجالات الرعاية الإسكانية، ودعم ذوي الدخل المنخفض، واستحداث فرص عمل، وصرف مخصصات للعاطلين عن العمل وتثبيت بدل التضخم (15%) ضمن الراتب الأساسي، وضخ مليار ريال إضافي للضمان الاجتماعي، ورفع عدد أفراد الأسرة المستفيدين من الضمان من 8 إلى 15 فرداً، وإعفاء المقترضين من صندوق التنمية العقارية أو من بنك التسليف من قسطين، ودعم التحاق أبناء الأسر المحتاجة بالجامعات. كما تم منح راتب شهرين لموظفي الدولة، مدنيين وعسكريين، ومكافآت لطلبة وطالبات التعليم العالي في الداخل والخارج.وقد ترتب على هذه الحزمة رفع سعر التعادل لبرميل النفط الخام، أي السعر الذي يحقق توازن الموازنة العامة في المملكة بنسبة 23 في المئة، أي بنحو 15.5 دولارا للبرميل، حيث باتت السعودية في حاجة إلى بيع نفطها بسعر لا يقل عن 84 دولارا للبرميل إذا ما أرادت تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات العامة. وتعتمد هذه التقديرات على استطلاع قامت به «بلومبرغ» وشمل 6 محللين اقتصاديين. وكان متوسط سعر التعادل السابق هو 68.50 دولارا. وقد أكد تقرير صدر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي هذه التقديرات، وحدد سعر تعادل مقداره 80 دولارا للبرميل السعودي، وفي تقدير لكبير الاقتصاديين في بنك دويتشه يصل هذا السعر إلى 82 دولاراً.
وفي مطلع سبتمبر الماضي تمت زيادة الرواتب الأساسية والعلاوات الاجتماعية للموظفين المدنيين في دولة قطر بنسبة 60%، وللعسكريين بنسبة 120%، كما تمت زيادة المعاشات الإجمالية للمتقاعدين بنسبة 60% للمدنيين و120% للعسكريين. ولهذه الزيادات تأثير مباشر على سعر التعادل لبرميل النفط القطري المكافئ (برميل النفط والغاز الطبيعي)، حيث قدر خبراء ماليون الزيادة في هذا السعر بنحو 28%. إلا أن الاقتصاد القطري يختلف عن اقتصادات دول مجلس التعاون الأخرى، حيث يشهد حقبة نمو قياسي بسبب التوسع الهائل الذي تشهده قاعدة صناعة الغاز الطبيعي. وفي الكويت تمت زيادة رواتب العاملين في القطاع الحكومي 100 دينار، وأعقب ذلك في فبراير الماضي منحة أميرية لكل مواطن قدرها ألف دينار، إضافة إلى صرف مواد البطاقة التموينية بالمجان لمدة 13 شهراً. وفي الشهر الماضي وعقب إقرار زيادات كبيرة للعاملين في القطاع النفطي، فتح باب المطالبات بالزيادات والعلاوات والكوادر في مختلف القطاعات الحكومية على مصراعيه، وهي مطالبات قد تفرضها سياسة الأمر الواقع على الدولة.ويقدر بعض الخبراء أن يصل سعر التعادل لبرميل النفط الكويتي إلى نحو 90 دولاراً في حال الموافقة على هذه المطالبات. وهذا يحمل بلا شك مخاطرة لا تحمد عواقبها في ظل التوقعات الراهنة لمستقبل سعر النفط، فهذا السعر مرشح للتراجع أو عدم الاستقرار في أفضل الاحتمالات لعدة أسباب، أبرزها العودة السريعة المتوقعة للنفط الليبي إلى الأسواق، وتداعيات أزمة منطقة اليورو التي قد تضاعف من حالة الركود الاقتصادي العالمي، واستمرار عدم الاستقرار في عدد من دول الجوار الإقليمي والعربي، وتراجع معدل النمو في الاقتصاد الصيني، وضعف أسواق البتروكيماويات في آسيا، والتحسن المرتقب في معدلات إنتاج النفط الخام في بحر الشمال.كل هذا دون أن نأخذ في الاعتبار مساهمات دول مجلس التعاون المرتقبة، التي بدأ تداول موضوعاتها في أروقة جامعة الدول العربية، من أجل دعم وإعادة بناء اقتصادات مجموعة دول «الربيع العربي» التي تضررت بسبب تعطل عجلتها الإنتاجية وما لحق بها من أضرار في الفترة المنصرمة. إزاء كل هذه التحديات ألا تتفقون معي أننا بحاجة ماسة إلى منظار يساعدنا على التحقق من طبيعة ما ينتظرنا في نهاية هذا النفق؟* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت