هناك تشابه بين الانتخابات وكرة القدم أو أي رياضة جماعية شعبية. فكلاهما عبارة عن سلوك اجتماعي جماعي علني يعبران عن حالة صراعية أو تنافسية، كلاهما له موعد محدد معلوم وساعة بداية وساعة نهاية، وكلاهما له قواعد حاكمة، ولوائح وضوابط، وحكام أو قضاة.
إلا أن الاختلاف بينهما يأتي بعد النتائج، فالمباراة هدف بحد ذاته، ما إن تعلن نتائجها حتى يبدأ الفريقان التحضير للقادمة، هكذا هو حال الخصمين اللدودين ريال مدريد وبرشلونة، أو حتى عندنا بين القادسية والعربي، حالما تنتهي مباراتهما يبدآن التحضير لمباراة قادمة. أما الانتخابات فهي ليست إلا محطة في طريق طويل تنعكس نتائجها على حال البلاد والعباد سلباً أو إيجاباً.ربما الانتخابات هي الحلقة الوحيدة في العملية السياسية القابلة للقياس والتقييم، من خلال نزاهتها وكفاءة إجراءاتها واستقلاليتها، فمن الصعب تقييم التنمية مثلاً أو الرعاية الصحية أو التعليم، حيث إنها عمليات طويلة الأمد وأدوات قياسها يدور حولها جدل كبير.وحسب التجارب فإنه لم تعد هناك إمكانية للمجلس أن يحقق إنجازاً يذكر في وضعه الحالي دون توافق السلطتين المكونتين له، ولن يحدث ذلك دون قيام الحكومة بمبادرات إصلاحية جادة تتجاوز فيها أطروحات منتقديها، وبالتالي التوصل لصيغة فاعلة للخروج من حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وهكذا تتحمل الحكومة مسؤولية أكبر كونها تشكل ثلث مجلس الأمة، وتهيمن على الشق التنفيذي من الحكم. كما أنه صار لزاماً عليها التوقف عن العبث المستمر بالدستور، ومحاولة إفراغه من محتواه والتلاعب به من أجل مكاسب سياسية آنية.وهكذا فإن مسؤولية الحكومة أكبر بكثير من النواب، كما أنه لم يعد ممكناً الاستمرار في الحالة الفاشلة لمجلس الأمة، وجعل المعركة بين نواب وحكومة دون مشاركة شعبية خارج إطار النواب، ودون محاسبة النواب أنفسهم، لذا فإن كانت محاسبة الحكومة أساسية، فإنه لابد أيضاً من محاسبة النواب بوسائل وأدوات متعددة، وأن يتم تطوير اللائحة الداخلية للمجلس في هذا الاتجاه. كما أننا لن نخرج من المأزق دون حراك شعبي تنبري فيه مجموعة متخصصة مستقلة لمراقبة أداء الحكومة والمجلس على حد سواء.يضاف إلى ذلك ولتخفيف الضغط على السلطتين إنشاء هيئات مستقلة للانتخابات ولمكافحة الفساد ولحقوق الإنسان، إضافة إلى تقنين الأحزاب السياسية التي تعمل منذ سنين دون قانون.هكذا إذاً أمامنا طريق واضح يبدأ بخطوات واضحة بتوافق بين السلطتين، فإن لم يتم ذلك فإن نتائج الانتخابات في أي اتجاه كانت لن تحدث نقلة نوعية، وسيتحول الناس ضد الحكومة والمجلس بالكامل وليس الفاسدين منهم فقط، ولن تكون للانتخابات جدوى، بل سنعود للمربع رقم واحد، كما تقول لغة الرياضة، وربما خارج المربع بالكامل.
أخر كلام
أفكار للخروج من المأزق
30-01-2012