الثمن الباهظ لمساواة المرأة الكويتية
الحكم القضائي، الذي حصلت عليه منذ أيام الطالبة الكويتية لصالحها ضد سياسة القبول في جامعة الكويت في ما يخص التفرقة في نسب القبول بين الذكور والإناث، ومنح الذكور الأفضلية في نسب معينة من مقاعد بعض الكليات، هو انتصار جديد للمرأة الكويتية يتزامن مع يوم المرأة العالمي الذي يصادف اليوم الثامن من مارس، وهو حكم يكرس للمرأة ميزة جديدة تجعلها في صدارة الحاصلات على حقوقهن في المنطقة وبين دول مجلس التعاون الخليجي، وهو تأكيد لريادتها إذا راجعنا تاريخ المرأة الكويتية في التعليم والابتعاث للخارج وشغل الوظائف القيادية وخلافه. لاشك في أن حصول المرأة الكويتية على المزيد من حقوقها الدستورية، وتكريس مبادئ المساواة بين الجنسين عبر أحكام قضائية، هو انتصار للمجتمع المدني في الكويت، لكن يجب أن تكون تلك المكاسب لمصلحة المجتمع ككل وبثمن مقبول على المستويين الوطني والاجتماعي، ضمن نهج تشريعي وسلوك مطلبي نسائي بصفة خاصة يراعي مصالح البلد، لكن بحسب التجارب والأرقام المتوفرة فإن ما سيحدث مخالف لذلك، فقرار المحكمة سيؤدي إلى أن تتجاوز نسبة قبول الإناث في كليات مثل الطب والهندسة وطب الأسنان في بعض السنوات 90 في المئة من المقبولين حتى لو تم تخفيض نسب القبول، وهنا نتساءل كيف سيستقيم عمل تلك الكليات التي ستفصل في المدينة الجامعية، وفقاً لقانون منع الاختلاط، بين كلية للبنين مثلاً بمئة طالب وأخرى للبنات بتسعمئة طالبة؟! وعلى الصعيد العملي فإن الوزارات تعاني أيضاً أداء الإناث الوظيفي، فعلى سبيل المثال فإن نسبة ضئيلة من المهندسات في وزارة الأشغال العامة توجد في مواقع العمل، بل إن العديد من مهندسات "الأشغال" يصرفن علاوة الموقع ولا يتواجدن فيه إلا مرتين في الشهر مما يعطل الإنجاز، ويملن للعمل المكتبي، بسبب طبيعة الموقع الميدانية أو زي المرأة الملتزمة بزي تراثي أو إسلامي معين الذي لا يمكنها من الحركة في المواقع، وعدم قدرتها على الالتزام بورديات عمل مسائية وهو نفس ما تعانيه وزارة الكهرباء والماء التي تتراكم في مكاتبها وممراتها المهندسات اللاتي يقمن بمهام إدارية لنفس الأسباب، وهو ما يحدث أيضاً في معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات، وهو ما يضطر الدولة إلى أن تبقى تدور في حلقة مفرغة من الاستعانة بالمهندسين والفنيين الأجانب وتحديداً من الذكور. والمشكلة الكبرى الأخرى هي نسب غياب المرأة الكبيرة وحصولها على أعلى نسبة من الإجازات المرضية، والطامة الأخرى المتمثلة في منح المرأة الكويتية مجدداً حق التقاعد بعد 15 عاماً من الخدمة، وهنا تقع ورطة كبيرة فأي طبيب بشري أو طبيب أسنان لا يمكن أخذ قمة عطائه وخبراته إلا بعد 12 عاماً على الأقل من العمل وشهادات التأهيل من "بورد" وخلافه، وعليه فكم من الأموال ستهدر في تعليم وتأهيل طبيبات وفنيات يتقاعدن بعد سنوات معدودة؟ وماذا سيكون حال مرافقنا الصحية عندما تحتل الإناث معظم مقاعد كليات الطب البشري وطب الأسنان والطب المساعد؟ علما أن غالبية طالبات الطب يعزفن عن التخصصات المهمة من الجراحة والتخصصات النادرة، والتوقعات معروفة، إذ سيتم تخريج أزراف من الإناث اللاتي سيتسرب معظمهن من الوظيفة للتقاعد بعد سنوات قليلة، وسنظل في الحلقة المفرغة للحاجة للأطباء والمهندسين والفنيين والمدرسات من الأجانب، وستعاني الكويت هذه المحنة إلى ما لا نهاية. استعراض الحقائق على الأرض والواقع مؤلم، لكننا يجب أن نكون صادقين ولا نرفع شعارات يدفع وطننا ثمناً غالياً لها، فنحن نردد مبادئ إنسانية سامية في المساواة والعدالة وضعت لمجتمعات مدنية حضارية، بينما نشرع قوانين متخلفة ورجعية، وهو كمن يريد أن يضع ماكينة سيارة تربو موديل 2012 على هيكل سيارة طراز 1970، وهو ما لن يلائمها وسيمزقها لأنها لن تتوازن في سيرها، وهذا ما سيحدث لمجتمعنا إذا ظلت المرأة الكويتية تريد المساواة الكاملة في الحقوق واستثناءات كبيرة في الواجبات، وهو ما يكرسه التيار الأصولي لها، وللأسف فإن بعض نساء الصفوة في المجتمع الكويتي بدلاً من أن يقمن بحملة متوازنة للمساواة فإنهن يستنزفن جهودهن في معارك الإقامة الدائمة لزوج الكويتية الأجنبي والقرض الإسكاني للمرأة، وهي قضايا جانبية محدودة، بينما الخلل الذي يتصاعد في دور المرأة في المجتمع الكويتي يتفاقم ويهددنا جميعاً بدفع ثمن باهظ له، وانتكاسة مستقبلية كبيرة لوضع المرأة الكويتية في المجتمع.