لا أحد ينكر، أن الانتخابات التشريعية الكويتية الأخيرة كانت جزءاً لا يتجزأ من الانتخابات التشريعية التونسية، والمغربية، والمصرية، وستكون جزءاً من أي انتخابات تشريعية أخرى في أي بلد عربي يجتازه "الربيع العربي" الهادئ أو الهادر على السواء. وكانت الكويت من البلدان العربية التي اجتازها "الربيع العربي" الهادئ، لعراقة الحياة الديمقراطية فيها، منذ الاستقلال 1961، ومنذ إنشاء أول برلمان خليجي عام 1962- 1963، ومن أوائل البرلمانات العربية عامة.

Ad

التقدم إلى الوراء!

أفرزت الانتخابات التشريعية الكويتية الأخيرة برلماناً لا نساء فيه، حيث لم تنجح أي مرشحة من المرشحات الـ24، مقارنة بأربعة مقاعد فازت بها المرأة في انتخابات عام 2009، وهو ما يمثل نحو ثمانية في المئة من مجموع الأصوات، وقال معظم المحللين السياسيين: إنها كانت مفاجأة! وجاءت هذه النتائج المخيبة لآمال الليبراليين الكويتيين رغم إقرار البرلمان السابق لقوانين، منحت المرأة بعض الحقوق السياسية، التي حُرمت منها، عندما كان كل النواب من الرجال.

وكانت انتخابات مجلس الأمة عام 2009 هي الأولى التي دخلت فيها المرأة البرلمان، ولم تحصل الكويتيات على حق التصويت والترشح في الانتخابات التشريعية إلا عام 2005.

حقوق المرأة قيمٌ لا قرارات!

ولكن قرار الدولة بمنح المرأة حقوقاً كانت محرومة منها، ليس كافياً لتحرير المرأة من القيود التي هي فيها، فالمهم أن يتغير ويتطور المجتمع تطوراً كبيراً تجاه دور المرأة وتموضعها في المجتمع. فالقوانين الرسمية وحدها لا تكفي ولن تكفي لتحرير المرأة، وجعلها تتساوى ببعض الحقوق مع الرجل، وخاصة في منطقة الخليج ومنها الكويت، ذات البُنية الدينية الشعبية التقليدية، والمجتمع العشائري القبلي.

وتطور المجتمع وتغيير نظرته للمرأة، سيتطلب وقتاً طويلاً وجهداً عظيماً، يبدأ من التربية البيتيّة للطفل وعلاقته بأخواته، وأمه، وخالته، وعمته، وبكل من يلتقي بهن ويتعايش معهن من الإناث، وتنتهي عند الزواج وما بعده. إذن، علينا تربية جيل كامل من المجتمع على تغيير نظرته للمرأة، لكي تترشح المرأة، وتنجح بما يتناسب ومكانتها، وجهدها، وحضورها في المجتمع، أما رفع الشعارات الدينية، والوطنية، والليبرالية، واعتبار المرأة نصف المجتمع قولاً لا فعلاً، فلن يجدي المرأة نفعاً، ولن يغير من نتائج انتخاباتها في الانتخابات التشريعية، أو البلدية، أو غيرها. والكويت اليوم ليست استثناءً من هذه الظاهرة، فقد سبقت الكويت في ظاهرة إحجام انتخاب المرأة عدة بلدان غربية وعربية.

أمثلة كثيرة من العالم

فعلى سبيل المثال، لم تفز في الانتخابات الأخيرة في الأردن أي امرأة بعضوية مجلس النواب، ويقول الباحث عادل سمارة: "كانت الحكومة الأردنية قد رفعت مع نهاية عام 2002 شعار "الأردن أولاً"، والمقصود به تقوية العوامل القطرية على حساب العامل والقضايا القومية، وزيادة الارتباط بالمركز الرأسمالي العالمي، ولا سيما الولايات المتحدة، وتضمن برنامج الحكومة المتمثل بـ"الأردن أولا" تخصيص كوتا للنساء في مجلس النواب، تصل الى 8 مقاعد من أصل 104 مقاعد، ثم انتهت الى 6 مقاعد من أصل 110 مقاعد. وبالتالي، سمحت الكوتا لست نساء بدخول مجلس النواب، وهن اللواتي حصلن على أعلى عدد أصوات من بين النساء المرشحات للانتخابات التي جرت في 2003، علماً أن أياً منهن لم تنجح في المنافسة الانتخابية العادية. هذا على الرغم من أن عدد النساء المشاركات في الانتخابات في الأردن هو 713614 امرأة أي 52%. ("المرأة والانتخابات بين الكوتا العالمية والمناصفة في مجلس النواب"، موقع "الحوار المتمدن"، 9/8/2003).

ووفقاً لـ"جمعية الحقوقيات المصريات"، فإن مصر، والعراق، والأردن، من أحدث الدول العربية، التي تُطبِّق نظام كوتا المرأة كنظام قانوني إلزامي، وذلك من أجل تحسين مشاركة المرأة السياسية، بينما تُطبِّق الجزائر، والمغرب ولبنان، نظام الكوتا جزئياً، وتقوم بتخصيص مقاعد محددة للمرأة، لمساعدتها في الظهور في المشهد السياسي.

سقوطُ المرأة وصعود التيار الديني!

وكما يقول بعض المحللين السياسيين، فإن تراجع نتائج انتخابات المرأة في الكويت، جاء متزامناً مع صعود التيار الديني، وهي ظاهرة لم تتوقف عند حدود الكويت. ففي مصر لم ينجح سوى عدد قليل جداً من المرشحات في انتخابات مجلس الشعب المصري الأخيرة، التي سيطر عليها التيار الديني، رغم إلزام القانون الانتخابي المصري للأحزاب بوضع مرشحة واحدة على كل قائمة انتخابية، غير أن أغلبية الأحزاب وضعت المرأة في ترتيب متأخر في القوائم، وهو ما ترتب عليه ضعف فرص فوزها.

وشهد البرلمان المغربي حالة مماثلة، حيث جاء تمثيل المرأة محدودا، فقد فازت بـ34 مقعداً فقط، من أصل 395 مقعداً، وهو تراجع جاء في برلمان حصد فيه التيار الديني الأغلبية أيضاً.

وجاءت تونس استثناءً عربياً وحيداً بزيادة تمثيل المرأة، حيث حصلت على نحو ربع المقاعد، بفضل الضوابط القانونية للترشح، والتي ألزمت الأحزاب بوضع المرشحات في ترتيب متقدم في القوائم.

ورغم ذلك، وإن لم نبدأ من التربية البيتيّة– كما ذكرنا– ونُغير الكثير من المفاهيم الشعبية والتقليدية نحو المرأة، فلن يطرأ تغيير يذكر على نظرة المجتمع العربي عامة لدورها.

وعلينا أن نعلم، أن الظلم والإجحاف السياسي والاجتماعي الذي لحق بالمرأة العربية، لم يكن فريداً في هذا العصر، ففي الغرب حيث نالت المرأة الكثير من حقوق المساواة، التي لم تنلها العربية، لم يُسمح لها بالتصويت في العالم كله، إلا في نيوزيلندا عام 1893. ولم تحصل المرأة الأميركية على حق التصويت إلا في عام 1920. أما في فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، فلم تحصل المرأة على حق التصويت إلا في عام 1945 ، نتيجة للحرب العالمية الثانية، وسقوط ملايين القتلى من الرجال. ومع ذلك ظلت فرص نجاح المرأة، ووصولها إلى البرلمانات قليلة، ولكنها في السنوات العشرين الأخيرة، حققت انتصارات سياسية كبيرة، في أوروبا وآسيا، ولنا من إنديرا غاندي في الهند، ومارغريت تاتشر (المرأة الحديدية) في بريطانيا خير مثال على ذلك.

لا مفاجأة في صعود التيار الديني!

المفاجأة الثانية في الانتخابات الكويتية الأخيرة، التي بُهت لها معظم الناس في الشارع العربي، كانت فوز التيار الديني فوزاً ساحقاً، إذ حقق التيار الديني الفوز بـ34 مقعداً من أصل خمسين. مقارنة بعشرين مقعداً في البرلمان السابق، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على ما جرى في تونس، والمغرب، ومصر، فالشارع العربي شارع ديني بطبعه، وإذا توافرت الشفافية والنزاهة والنظافة في الانتخابات، فالحظ الأكبر والنصيب الأكبر، سيكون للتيار الديني، الذي كان فائزاً في السابق فوزاً ساحقاً في انتخابات ماضية، ولكن لم تعلن النتائج الحقيقية والصادقة لهذه الانتخابات، نتيجة للتزوير الذي كان يتم في عدة مناسبات. وما نتائج اليوم غير تحصيل حاصل، وتغيير هذه النتائج لن يكون في المستقبل القريب بقرارات رسمية– كما هي الحال في كوتا المرأة– ولكن بالتربية الليبرالية، وبمزيد من الانفتاح على معرفة العالم، وعِلمه، وقيمه.

* كاتب أردني