الحديث يملؤه الود واللطف، والقصص تحكي واقع ذلك المجتمع المتواصل والمتماسك، عاداتهم جميلة وتجاورهم لا ينسى، وذكرياتهم عطرة، عرفت "فرجانهم" بأسماء عوائلهم و"سككهم" بشيوخهم وكبرائهم، لديهم حركتهم الاقتصادية المميزة داخل ذلك المجتمع الصغير، وأيضا يملكون الميزة الأفضل.

Ad

غزوا الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي وعيروها بكل "حرفنة" واقتدار للتواصل مع أجزاء كبيرة من إفريقيا وشرق آسيا لدرجة أن بعض مدن تلك النواحي أخذت أسماء هذا المجتمع، فالبحر كان "لعبتهم" والتجارة كانت فطرتهم.

نعود إلى اليابسة، فهذا "الكانتون" الذي لم تتجاوز مساحته 20 كيلومترا مربعا، وأصر أهله على صغر حجمه والاكتفاء بهذه البقعة الصغيرة جدا لمدة تجاوزت قرنين من الزمان، لم يجل بخاطرهم فكرة الدولة، ولم يحلم حكامها بإقامة كيان سياسي كما هي حال الدول والممالك المجاورة التي تتعاظم وتنتشر باتجاههم.

بالقرب منهم مصب لأكبر الأنهار، ويحمل الخيرات ولم يحاول أحد من الحكام أو مستشاريهم الوصول إليه، بل إن آبار مياه الشرب كانت خلف سورهم بعدة أمتار، ولم يجرؤ أحد على توسيع "الدولة" لتضمين المصدر الحيوي داخل الحدود.

قصر نظر اشترك فيه الجميع، وندرة قياديين ابتلي بها المجتمع على طول تاريخه، وسوء تقدير أدى بالتالي إلى ضعف تخطيط يعانيه الأسلاف بعد أربعة قرون من الإنشاء، فعلى الرغم من تواصل أهلها مع العالم الخارجي، وتعلم بعض أبنائها، واطلاع شعبها على تاريخ وتجارب الشعوب والدول لم تطرأ فكرة التوسع وقيام دولة تنافس جيرانها في المساحة الجغرافية والقوة الاقتصادية والشوكة العسكرية.

لولا النفط "أطال الله عمره" لوجدنا سورا يمتد من أقدم فنادقهم ويمر بصالة للتزلج لديهم، وينتهي بجمعية مهندسيهم، وقد تمت كسوته بالرخام الفاخر وله بوابات إلكترونية وكاميرات مراقبة وأسلاك كهربائية، مكتوب على مدخله عبارة تقول: مواعيد الدخول من بعد صلاة الفجر حتى مغيب الشمس... التوقيع حكومة الإمارة.