غياب الثقافي في السياسي!
تأملاً في أبسط التعريفات العصرية للثقافة، كما جاءت في موقع "ويكيبيديا"، يشير إلى أنها "نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد التفكير، إضافة إلى كونها مجموعة من الاتجاهات والقيم المشتركة، والممارسات التي تميّز مؤسسة أو جماعة عن غيرها". وهذان التعريفان البسيطان والمباشران ينفيان عن الثقافة صفة الشخصانية والتقوقع. فسبب من أنها طريقة في التفكير الإنساني لاستنباط قناعة ما تجاه قضية بعينها، فإنها، في المحصلة، تشكّل وعياً شعبياً متبايناً ومختلفاً في درجاته وميوله، حيال قضية ما تجري على ساحة أي مجتمع من المجتمعات. ويبدو هذا واضحاً، كأشد ما يكون، لحظة تطفو على سطح أي مجتمع حادثة ما، وسرعان ما يتشكل موقف شعبي ضاغط حيالها. لقد نهضت أجناس الأدب والفن عبر التاريخ على تناول الحدث الإنساني، وتسليط الضوء على قضايا حياة الإنسان، وكان السياسي على الدوام في القلب من ذلك التناول، وذاك التسليط. لذا فمن النادر أن نجد عملاً فكرياً أو إبداعياً إلا ويحمل في طياته، تصريحاً أو تلميحاً، موقفاً سياسياً. ومؤكد أن الكويت ومنذ نشأتها الأولى عام 1613، واشتغال أهلها واهتمامهم بالفكر والثقافة والتثاقف، ووصلهم بالآخر وانكشافهم على ثقافته، كان لمجمل أعمالهم التاريخية والفكرية والشعرية والقصصية والروائية والمسرحية والتشكيلية والسينمائية والموسيقية موقف سياسي، وكان، هذا الموقف السياسي الفكري، في الغالب حراً وصريحاً إلى جانب التنوير، وإلى جانب الجديد الإنساني.
لقد صدر مرسوم أميري بحل مجلس الأمة بتاريخ 6 ديسمبر 2011، وتحدد تاريخ 2 فبراير، ليكون موعداً للانتخابات البرلمانية الرابعة عشرة في تاريخ الكويت. ومنذ ذلك التاريخ رحت أتابع، بشكل شخصي، حضور الشأن والهم الثقافي الفني بعمومه، على مائدة الطرح السياسي. سواء كان عبر برامج وندوات وشعارات وإعلانات المرشحين، أو من خلال ما تتناقله وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وأخيراً ما تحمله مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، الفيس بوك والتويتر، وكم هو مؤسف أن يغيب الشأن الثقافي تماماً عن أي حضور على مائدة السياسي. إن غياب هموم الثقافة والفن لم يرتبط بالمرشحين فقط، بل إن الدلالة والأسف يصبحان أكبر حينما نرى غياب ذلك أيضا لدى جمهور الناخبين. ففي حين برزت مختلف الهموم الحياتية المادية لتكون مادة نقاش وخلاف بين المرشح وجمهور ناخبيه، غابت مواجع وهموم الشأن الثقافي عن أي مناقشة أو تساؤل، وكأن لسان حال المرشح والناخب، يقولان بتناسي الثقافة والفن. لقد كان للفكر والثقافة والفن حضور كبير وفاعل في تاريخ الكويت، وكان الدور الشعبي والمبادرة كأوضح ما يكون في مجمل العمل الثقافي الفني. وليس أدل من انطلاق فكرة إنشاء أول مدرسة نظامية "مدرسة المباركية" عام 1911 من ديوان الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وان أول عرض تمثيلي مسرحي، نظمه الشيخ عبدالعزيز الرشيد أمام أهل الكويت عام 1922 جاء بوعي وفكر سياسي. كما يمكن ملاحظة أن الهم الفكري الثقافي السياسي كان حاضراً ومصاحباً لمسيرة المجتمع الكويتي، وكان على الدوام يتمثل في صراع محتدم بين القديم المستقر والجديد المنفتح، ولا تغيب الدلالة عن انتصار الجديد، وقيادته دفة النهضة في المجتمع، وإعلاء اسم الكويت بين الأمم. يعيش العالم ثورة المعلومات والإعلام والفضاء والوصل المفتوح بين بني البشر، وبالتالي فإن الشأن الثقافي والفني، باتا من الأمور الأكثر أهمية في حياة الناس، لذا يبدو الأمر دالاً وصارخاً ومؤسفاً في غيابهما عن المشهد السياسي الكويتي، في واحدة من أكثر احتفالاته، وأعني بذلك فترة الانتخابات. وربما فسّر هذا السبب الرئيسي وراء تقهقر دور الثقافة والمثقف في الكويت.