إن أجمل المقالات التي يكتبها المخضرم عبداللطيف الدعيج وأكثرها تأثيراً، تلك التي ينسجها عندما يوجد في الكويت، أما المقالات «الأميركانية والباريسية» فجلها خارج عن سياق الواقع وبعيد عن معطيات الحاضر؛ لأن الكويت التي تركها الدعيج، وكان قادراً على تحليلها بشكل ممتاز، تبدلت بشكل عميق.

Ad

كفاني المخضرم عبداللطيف الدعيج مهمة الرد على بيان دواوين معارضة المعارضة، وذكّرني بأشياء كنت أود قولها له منذ زمن، ولكن لديّ هذه البداية: في الأفلام المصرية يتكرر المشهد الذي يقول فيه مواطن عائد من الغربة الطويلة لسائق التاكسي "يااااه دي مصر اتغيرت أوي"، ما الذي تغير بالضبط؟ لا أحد يعلم.

مثلاً من ترك مصر أيام عبدالناصر ورجع إليها أيام السادات سيلاحظ وجود إعلانات "الكوكا كولا" مكان لافتات "حنحارب... حنحارب" و"ارفع رأسك يا أخي"، ومن رجع إلى مصر أيام مبارك سيجد نفسه محاصراً بلافتات "حديد عز" و"يد تبني ويد تحمل الشيكات"، و"سبحان من يغير ولا يتغير".

الكويت بلد صغير، والتغيير فيها ظل يأخذ الشكل الخارجي "العمراني" لدرجة أنه يندر وجود بيت يعمر لمدة خمسة عقود متواصلة، لأن الورثة غالباً ما يبيعون بيت "الأهل" ولا عزاء للذكريات الجميلة التي تشاطروها في زمن كان، أما التغيير الداخلي، وهو مزاج "الناس" وطريقة تفكيرهم، فظل على حاله حتى طاله التغيير الجذري منذ ثماني سنوات، ومن كان خارج الكويت خلال تلك الفترة فإنه فقد القدرة على التواصل مع الواقع الجديد.

إن أجمل المقالات التي يكتبها المخضرم عبداللطيف الدعيج وأكثرها تأثيراً، تلك التي ينسجها عندما يوجد في الكويت، أما المقالات "الأميركانية والباريسية" فجلها خارج عن سياق الواقع وبعيد عن معطيات الحاضر؛ لأن الكويت التي تركها الدعيج، وكان قادراً على تحليلها بشكل ممتاز، تبدلت بشكل عميق.

منذ 2006 شاركت المرأة في العملية السياسية تصويتاً وترشيحاً، وأول ما فعلته في ضاحية عبدالله السالم أن قالت لعبدالله النيباري المناصر التاريخي لحقوقها "لا نريدك، ونريد من صوّت ضد حقنا في المشاركة السياسية مثنى وثلاث"!

في نفس العام "صيرناها" خمس دوائر، وبدأ عصر القراءة الجديدة للواقع الكويتي من خلال المدونات السياسية و"تويتر"، وانهمرت الصحف الجديدة منها ما هو "ناصري" و"أحمدي" و"كاشاني"، ومعها انطلقت القنوات الخاصة بأموال صراعات الأجنحة تحمل فوق ظهرها خطاب الكراهية لتحقنه يومياً في عقول "العيايز" ومن يجلس معهن حتى تحول الخراب الفكري إلى داخل البيوت؛ بدلاً من أن تصبح هي المنابع الصافية التي تصحح توجهات المنتمين إليها، وفي أزمنة ولّت كانت الأسرة جناحين فقط، وإيقاع الصراع بينهما كان ثابتاً وموسيقياً وغير مدمر للبلد، واليوم صار بدل الجناحين عندنا عشرة وبدل الصراع عندنا حفلة.

كل ذلك يا أبا راكان حصل وأنت خارج البلاد، وبينما كنا نعيش خطر تناول اللحوم الفاسدة وانقطاع الكهرباء والماء عن بيوتنا، وتصاعد حدة التوتر الطائفي والقبلي وبعثرة المال العام يميناً وشمالاً لشراء الولاءات، كنت أنت تهاجم المعارضة أغلب الأحيان، و"تطوف" الريس السابق أغلب الأحيان مع أنك أول من قالها فيه عام 2009 "ما فيه طب".

في الختام "بوراكان" أنا أسعد الناس بوجودك في الكويت لأننا بحاجة إلى قلمك الوطني في معركة انتخابية خفتَ فيها صوت الوطنية، نحتاجك معنا في مرحلة يُستقبل فيها البذيء والرديء بحفاوة في دواوين أكبرها وأسمنها، ويبحث فيها "الوجيه" عن صك الأصالة من وكالة الجاهل.

الفقرة الأخيرة: "بوراكان الكويت اتغيرت أوي".