1- حسب الثوار الأحرار، في كل من ليبيا، وسورية، واليمن، أن كل الكواسر الدكتاتورية يؤكل لحمها بسهولة، كما تمَّ في تونس، ومصر. ولم يحسبوا أن الدكتاتوريات في هذه البلدان قد تمت (مسمرتها) تماماً، بحيث لا تقتلعها الرياح القوالع، وظنوا أن الكواسر الدكتاتورية في هذه البلدان، يمكن أن يؤكل لحمها كما تم أكل لحم الكاسرين الدكتاتوريين في تونس، ومصر. ولم يفطن الثوار الأحرار، إلى أن دخل الدكتاتور السنوي من منصبه كدكتاتور في هذه البلدان، يتراوح ما بين 2-3 مليارات دولار سنوياً. وربما تعدى هذا الدخل إلى 5-7 مليارات دولار سنوياً كما في الحالة الليبية حسب التقارير البنكية العالمية. علماً أن هؤلاء الدكتاتوريين، لا يساوون «شروى نقير»، في سوق السياسة العالمية، وفي سوق السياسيين العاملين المخلصين المثقفين.

Ad

 والدليل على ضخامة الدخل السنوي لهؤلاء الدكتاتوريين، حالة البؤس المتدنية، التي تعيشها الشعوب، من جراء سوء الخدمات العامة الصحية، والتعليمية، والقضائية، وطرق المواصلات... إلخ. ومستوى المعيشة المتدني جداً التي يعيشها الفرد في هذه البلدان، ففي التقرير الذي نشرته مجلة «الإيكونوميست» نهاية عام 2010 عن دخل الفرد السنوي، في هذه البلدان، تبين أن دخل الفرد في سورية– مثلاً- لا يتجاوز 2670 دولاراً فقط في السنة، وأن دخل الفرد في اليمن لا يتجاوز 1750 دولاراً فقط في السنة. وهي معدلات دخل لا تكفي حتى لإطعام كلب واحد في الغرب، وتحققت هذه المعدلات المتدنية، رغم وجود معونات خارجية، من الأشقاء والأصدقاء، ورغم وجود دخل محلي، ورغم وجود تحويلات للعاملين في الخارج... إلخ.

ولكن غياب الرقابة العامة، واختلاط المال العام بالمال الخاص، وسرقة الحكام الدكتاتوريين للمال العام على النحو الذي تمَّ كشفه في تونس ومصر، وعلى النحو الذي سيتم الكشف عنه في ليبيا، وسورية، واليمن، وغيرها من البلدان التي سيمر بها قطار الثورة لا محالة، هو الذي أدى إلى تدني دخل الفرد السنوي لهذا المستوى، مما كان سبباً من أسباب أعاصير الثورة العربية الحالية.

فكيف نريد من هؤلاء الدكتاتوريين التخلّي بسهولة عن مناصبهم، والتخلّي عن امتيازاتهم المالية الضخمة، وهو ما يهمهم بالدرجة الأولى، ويجعلهم يتمسكون بمراكزهم، ويعضون عليها بالنواجذ.

2- هل نعتقد أن الحكام الدكتاتوريين في العالم العربي، الذين يحكمون شعوبهم، التي تعيش في مطلع القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، بأساليب ومنطق القرون الوسطى، يحكمون بلادهم بإخلاص من أجل رفعة شأن مواطنيهم. فهم ليسوا كالحكام الغربيين قد جاء بهم الشعب، ويمكن أن يذهب بهم الشعب نفسه، فهم قد جاؤوا بأنفسهم بقوة السلاح، وبوصية الآباء، وبضعف الحكام السابقين، وببلاهة الشعب، وغبائه، وتخلفه، وجوعه، وعريه، وطلبه للستر والاستقرار بأي ثمن كان، بعد أن تمَّ استعماره وإذلاله مئات السنين، من قبل العثمانيين، وعشرات السنين من قبل الأوروبيين، وعدة عهود، بعد الاستقلال من قبل الحكام المحليين الفاسدين والمستغلين.

3- وجاء هؤلاء الدكتاتوريون واستولوا على الحكم، فوجدوا شعوباً جائعة، وعريانة، وجاهلة، ويتحكَّم بمعظمها رجال الدين، يسوّقون لها «الدين الشعبي»، الذي يمنع السؤال، والحساب، والعقاب، ويُحرِّم الخروج على الحاكم، حتى لو كان فاجراً أو كافراً! وادّعوا بالأحاديث النبوية الشريفة غير الصحيحة، ومنها:

«اسمع لحاكمك وأطعه، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك».

ويردد رجال الدين هؤلاء، على مسامع العامة البسيطة والساذجة، الحديث النبوي الشريف الموضوع، وغير الصحيح:

لا تعصوا أولي الأمر منكم، فإن عدلوا فلهم الأجر، وعليكم الشكر. وإن بغوا فعليهم الوزر، وعليكم الصبر، فهو امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر والأناة، لا بالثورة والغيظ».

ومن المعروف أن الشعوب العربية قد نفد صبرها، بعد أن انتظرت الإصلاح والتغيير الذي تنشده عشرات السنين، ولم يأت الإصلاح، ولم يحدث التغيير.

وظل رجال الدين هؤلاء، يُشنّفون آذان العامة البسطاء والسُذج، في صلاة الجمعة، وفي الدروس الدينية من خلال ميكرفونات وشاشات الأنظمة الدكتاتورية بالحديث النبوي الشريف الموضوع، والذي رواه الإمام أحمد بن حنبل عن رواية عبدوس بن مالك العطاري، ويقول:

«من غلب على المسلمين بالسيف حتى صار خليفة، فلا يحلُّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت، ولا يراه إماماً، باراً كان أم فاجراً!»

وهذا كله– باعتبار أن الشارع العربي عامة، شارع متدين تدينا شعبياً، شرحته بالتفصيل الباحثة التونسية زهية جويرو، في كتابها «الإسلام الشعبي» مكّن الدكتاتوريين أن ينهجوا نهج أسلافهم من الخلفاء الأمويين، والعباسيين، والسلاطين العثمانيين، في الظلم والاستبداد، وسرقة المال العام، ونشر الفساد المالي والسياسي. وأن يحكموا بمنطق ونهج القرون الوسطى شعوباً، تعيش في مطلع الألفية الثالثة، وبداية القرن الحادي والعشرين. وهؤلاء الدكتاتوريون هم في واقع الأمر حكّام خارج التاريخ، يحكمون شعوباً داخل التاريخ. فالفيلسوف الألماني هيغل، يقول إن «التاريخ هو تقدم الوعي بالحرية.» وهؤلاء الحكام يعيشون خارج التاريخ حيث إن وعيهم بالحرية لم يتقدم. في حين أن شعوبهم أظهرت- من خلال أعاصير الثورة العربية- أنها تعيش داخل التاريخ، من حيث إن وعيها بالحرية قد تقدم.

4- فهل سيستمر هذا الوضع إلى النهاية.. وإلى يوم القيامة؟!  وإلى متى يُعتبر الدكتاتور الحر الوحيد في البلد، بحيث يحكم كما يشاء، ويقتل كما يشاء، معتبراً أن الشعب كله من العبيد، وهو الحر الوحيد؟

فالحرية لا تتحقق إلا إذا اعترف حر بحرية الآخر الحر. بمعنى أن للحرية قطبان: الأول قطب حر، والثاني قطب حر آخر. أما إذا اعتبر قطب حر بعبودية العبيد، فلا حرية في رأي هيغل، وما يجري في البلاد العربية الآن، التي تحكمها عدة أشكال من الدكتاتوريات العسكرية الحزبية والقبلية، اعتبار الثورات العربية ثورات عبيد، وليست ثورات أحرار.

5- نعم، نهاية الدكتاتورية في العالم العربي مسألة وقت ليس إلا، فهذه هي حتمية الظرف التاريخي الذي نعيشه، حيث لا مهرب من الحرية أبداً.

 والعالم الغربي الحر (حبل النجاة) الذي تفاجأ باندلاع الثورات العربية، يفيق الآن من غفوته وذهوله شيئاً فشيئاً، وبدأ يعي ويدرك ما يجري الآن في العالم العربي. وبدأ يساند الثورات، ويدعمها بالسلاح، والمال، والاعتراف السياسي المهم، ويطالب الدكتاتوريين بالرحيل فوراً، ضماناً لمصالحه على المدى البعيد، بعد أن ثبت له أن وجود هذه الأنظمة الدكتاتورية ضد مصالحه المستقبلية، وأنها غير قادرة على الإصلاح والتغيير، فطبيعتها وتركيبها ضد الإصلاح وضد التغيير، الذي هو مخالف لطبيعتها ووجودها. ولو كان لديها القدرة على الإصلاح والتغيير– حقاً وصدقاً- لتمَّ ذلك منذ عشرات السنين، التي قضت فيها هذه الأنظمة تسرق، وتنهب، وتفسد، وتظلم، دون أن يرف لها جفن، أو يهتز لها طرف، حتى لو أقدمت هذه الدكتاتوريات على ذبح مواطنيها من الوريد إلى الوريد، وخلع (زلاعيم) (جمع زلعوم) المواطنين، ورميهم في نهر العاصي، كما فعلت السلطات السورية بمغني الثورة السورية إبراهيم القاشوش.

* كاتب أردني