الضغط النفسي صار جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولهذا أسباب كثيرة متنوعة، وهذه الأسباب يمكن لها أن تنبع من كل دوائر حياة الإنسان، سواء من بيته أو من عمله، أو حتى من العالم من حوله، هذا العالم الصعب بتقلباته السياسية ومستقبله غير الواضح المحفوف بتنبؤات مخيفة عن الانهيارات الاقتصادية والحروب، وغير ذلك من المصائب.

Ad

كل هذه الأمور، وغيرها، تعد من المصادر التي يمكن أن تسبب الضغط النفسي للإنسان ولا شك، بل لعلي سأفاجئ بعضكم حين أقول إن حتى المناسبات السعيدة يمكن لها أن تشكل ضغطا كبيرا على الإنسان، ألا يقولون في المثل الدارج "لا هم كهم العرس"؟ وقد صدقوا، فهذا صحيح تماما، لأن حتى الاستعداد لمثل هذه المناسبات، أو التفكير في الانتقال إلى وظيفة جديدة أو الرحيل إلى بيت جديد مثلا، وغيرها، بالرغم من كونها مناسبات إيجابية، ستتسبب في ضغط نفسي على الإنسان، يضاف إلى الرصيد الموجود لديه أصلا من مسببات للضغوطات، آخذ جميعها بالتراكم في داخله طوال الوقت.

مصادر الضغوط كثيرة إذن، وصحيح في ذات الوقت أنه من المستحيل أن يستطيع الإنسان التخلص منها نهائيا، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن يترك نفسه ليصبح فريسة سهلة لها، فتنهش صحته النفسية وتتجاوزها إلى صحته الجسدية، لنراه بعدها يعاني الآلام والأوجاع، كالصداع والشقيقة (الصداع النصفي) واضطرابات الجهاز الهضمي وآلام الظهر والعضلات واختلال الوزن صعودا أو نزولا واضطرابات النوم، بل أمراض أكثر خطورة منها كاعتلالات القلب والسكري وغيرها، والتي هي كلها مشاكل وأمراض ثبت طبيا ارتباطها بالضغوط النفسية، يصبح الإنسان بعدها مهددا بالانهيار في أي لحظة. وهذا كله يجب على الإنسان أن يتصدى له، فيدرك في البداية تمام الإدراك أنه واقع في هذه الطاحونة النفسية، وأن يقرر بعدها أنه لن يستسلم لها لتسحقه، فيعمل بعد ذلك على مواجهتها بكل الوسائل المتاحة. ومن النصائح التي يمكن لي تقديمها من خلال هذه المقالة، لتعيننا جميعا على التعامل مع الضغوط النفسية، النصائح التالية:

أولا، حافظ على صحتك الجسدية بقدر ما تستطيع، ومارس الرياضة، ولو كانت مجرد المشي لمدة نصف ساعة بشكل سريع في كل يومين، وراقب نظامك الغذائي، فلا أقول احرم نفسك من شيء من الأكل، ولكن قلل الكميات ورتب مواعيد الوجبات، وابتعد عن التدخين والمنبهات بقدر الإمكان، ثم نم بشكل كافٍ وجيد ومنتظم.

ثانيا، احرص على وجود الدعم الاجتماعي من حولك، سواء من خلال أفراد الأسرة أو الأقرباء أو الأصدقاء، فوجود هؤلاء مهم جدا في الفترات الهادئة، وتعزيز القرب منهم والتواصل معهم سيكون رصيدا مدخرا للأوقات الصعبة.

ثالثا، لا تكن ممن يصارعون همومهم لوحدهم، فيكتمون الضيق في داخل نفوسهم، وهذا لا يعني أيضا أن تكون ممن تجري دموعهم طوال الوقت طبعا، وإن كانت الدراسات والمشاهدات تثبت أن من يخرجون همومهم بشكل مستمر على شكل دموع هم من الأقل تعرضا للتعب بسبب الضغط النفسي، لكن المراد هنا هو أن تخرج همومك بشكل مناسب للمقربين منك في دائرة الدعم الاجتماعي، وقليل من الدموع بين فينة وأخرى لا يضر، بل مفيد جدا.

رابعا، تذكر اللحظات الإيجابية دوما، وحين تعترضك مشكلة جديدة، تذكر كيف كانت المشكلة السابقة تبدو أمامك وكأنها لن تزول، وإذا بها تزول بفضل الله، وجدد إيمانك بالخالق وثق بأنه سيعطيك القوة والقدرة على التغلب وتجاوز الصعوبات الجديدة كما جعلك تتجاوز السابقة، وتخيل نفسك فعلا قد تجاوزتها بعونه سبحانه.

خامسا، أحسن التعامل مع وقتك والموارد المتاحة لك، ونظم أولوياتك عند مواجهة الصعوبات وفي سائر الأوقات، وتعامل مع الأهم فالمهم من بعد ذلك، ولا تنشغل بغير المهم خصوصا في الأوقات الصعبة، وتعلم أن تقول كلمة "لا" للالتزامات التي لا تستطيع أن تفي بها، ولا تثقل على نفسك بحمل أعباء جديدة، سواء أكانت مالية أو اجتماعية أو غير ذلك، ولا تتردد بطلب المساعدة ممن تثق بأنهم سيساعدونك، ولكن احذر من أن تلقي نفسك على أي أحد فيصدك أو يخذلك فيصبح الخذلان مصدرا جديدا من مصادر الضغط النفسي والتعب.

هذه النصائح الخمس ليست سوى جزء قليل من نصائح كثيرة يمكن تقديمها بشكل تفصيلي في هذا الصدد، لكنها كانت الأظهر أمامي وأنا أعد لهذا الموضوع، ولعلها كذلك الأكثر فائدة من واقع تجربتي الشخصية، وممارستي مع الآخرين، ليتأمل كل واحد منا في كل واحدة منها، وليبحث عن الطريقة التي يمكن له أن يجعلها جزءا من حياته، فقد تكون جميع هذه النصائح صالحة لأحد ما منا، وقد لا يصلح بعضها لأحد آخر، ولكن لنسدد جميعنا ونقارب، ونرجو من الله العون والفائدة.