ربما كان الشيخ عبدالله السالم هو الحاكم الوحيد الذي تعاقبت عليه ثلاثة أنظمة عراقية مختلفة ومتباينة. فقد عايش نظام الحكم الملكي لثماني سنوات، عانى فيها الأمرين من تحركات نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي, الذي كان يضغط من أجل ضم الكويت للاتحاد الهاشمي العربي حتى جاء انقلاب 1958 ليطيح بالحكم الملكي. وكان عبدالله السالم من أوائل المهنئين بالانقلاب/ الثورة لا فرق. ثم عايش حكم نظام عبدالكريم قاسم لخمس سنوات أيضاً عانى فيها الكثير وبالذات بعد إعلان استقلال الكويت في يونيو 1961 والتحول المفاجئ لقاسم حيث ادعى بدون مقدمات وبدون حتى معرفة أقرب المقربين له بما في ذلك وزير خارجيته المعتق حينذاك هاشم جواد بأن الكويت ليست إلا «قضاء سليباً» كان تابعاً لولاية البصرة العثمانية. واستطاع قاسم أن يمنع الكويت من عضوية الأمم المتحدة عن طريق علاقته بالاتحاد السوفياتي الذي استخدم حق النقض الفيتو لمنع دخول الكويت في المنظمة الدولية، حتى أطيح به في انقلاب قام به البعثيون بنسختهم الأولى في 1963، وهكذا عايش عبدالله السالم نظاماً سياسياً عراقياً ثالثاً مدة سنتين أخريين حتى توفاه الله في نوفمبر 1965. ومع أن الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، كان قد حكم البلاد ضعف المدة التي حكمها الشيخ عبدالله السالم إلا أن أحمد الجابر تعامل فقط مع العراق الملكي، ومع أنه تعرض لضغوط مختلفة من جهة العراق، إلا أن حدتها وطبيعتها كانتا مختلفتين. بل إن الضغط الأشد الذي واجهه أحمد الجابر لم يكن مصدره العراق بل كانت بريطانيا حين اقتطعت في سنة 1922 ثلثي مساحة الكويت بدون حتى حضور الكويت لمؤتمر العقير، ومع أن وقع ذلك كان قاسياً على أحمد الجابر إلا أنه لم يستطع فعل شيء. وحين أبدى اعتراضه للمقيم السياسي البريطاني حينذاك بيرسي كوكس بعد أن أبلغه بما جرى في العقير رد عليه كوكس بأنه من الأفضل لكم أن تقبلوا اقتطاع ثلثي مساحة بلادكم سلمياً وإلا قد يقتطعها جيرانكم بالقوة، ولابد لنا من عودة لهذا الموضوع. أما الشيخ صباح السالم، رحمه الله، والذي حكم البلاد بعد وفاة عبدالله السالم مباشرة فقد عايش حكم البعث بتبايناته سواء بنسخته الأولى التي استمرت حتى 1968 والتي انتهت بانقلاب حركة تصحيحية أو تشويهية لا فرق من داخل حزب البعث نفسه جاءت بأحمد حسن البكر ومن ورائه صدام حسين والتي انتهت بغزو صدام حسين للكويت في الثاني من أغسطس 1990، تخللتها بعض التحرشات والتعديات كحادثة الصامتة في 1973.

Ad

كان لافتاً أن الإشكاليات مع العراق وعلى الأخص إبان فترة حكم الشيخ عبدالله السالم، التي امتدت ما بين 1950 و1965، تعود إلى طبيعة الترسيم الذي فرضته بريطانيا في اتفاقية العقير سنة 1922، وهو المؤتمر الذي لم تحضره الكويت بل تم دون علمها، وتم فيه اقتطاع ثلثي مساحتها.

رحلت بريطانيا وتركت لنا إشكالية مع دول الجوار وإن بدرجات مختلفة، وظلت إشكاليتنا مع العراق مستمرة وإن بحيثيات مختلفة، وفي ظني أن حل تلك الإشكالية بات مستحقاً وممكناً، وكان هذا ما حاول أن يفعله عبدالله السالم في وسط رياح عاتية. وللحديث بقية بالطبع.